فصل


قال الفخر :
واعلم أنه تعالى لما خوف المكذبين أولي النعمة بأهوال القيامة خوفهم بعد ذلك بأهوال الدنيا
إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا (١٥)
واعلم أن الخطاب لأهل مكة والمقصود تهديدهم بالأخذ الوبيل، وههنا سؤالات :
السؤال الأول : لم نكر الرسول ثم عرف ؟ الجواب : التقدير أرسلنا إلى فرعون رسولاً فعصاه فأخذناه أخذاً وبيلاً، فأرسلنا إليكم أيضاً رسولاً فعصيتم ذلك الرسول، فلا بد وأن نأخذكم أخذاً وبيلا.
السؤال الثاني : هل يمكن التمسك بهذه الآية في إثبات أن القياس حجة ؟ والجواب : نعم لأن الكلام إنما ينتظم لو قسنا إحدى الصورتين على الأخرى، فإن قيل : هب أن القياس في هذه الصورة حجة، فلم قلتم : إنه في سائر الصور حجة، وحينئذ يحتاج إلى قياس سائر القياسات على هذا القياس، فيكون ذلك إثباتاً للقياس بالقياس، وإنه غير جائز ؟ قلنا : لا نثبت سائر القياسات بالقياس على هذه الصورة، وإلا لزم المحذور الذي ذكرتم، بل وجه التمسك هو أن نقول : لولا أنه تمهد عندهم أن الشيئين اللذين يشتركان في مناط الحكم ظناً يجب اشتراكهما في الحكم، وإلا لما أورد هذا الكلام في هذه الصورة، وذلك لأن احتمال الفرق المرجوح قائم ههنا فإن لقائل أن يقول : لعلهم إنما استوجبوا الأخذ الوبيل بخصوصية حالة العصيان في تلك الصورة وتلك الخصوصية غير موجودة ههنا، فلا يلزم حصول الأخذ الوبيل ههنا، ثم إنه تعالى مع قيام هذا الاحتمال جزم بالتسوية في الحكم فهذا الجزم لا بد وأن يقال : إنه كان مسبوقاً بتقرير أنه متى وقع الاشتراك في المناط الظاهر وجب الجزم بالاشتراك في الحكم، وإن مجرد احتمال الفرق بالأشياء التي لا يعلم كونها مناسبة للحكم لا يكون قادحاً في تلك التسوية، فلا معنى لقولنا القياس حجة إلا هذا.


الصفحة التالية
Icon