ولما كان الواجب على كل أحد شكر المنعم، بين أنه سبحانه الذي أنعم يسكن الليل الذي أمر بالتهجد فيه ومنتشر النهار الذي أمر بالسبح فيه، فقال واصفاً الرب المأمور بذكره في قراءة ابن عامر ويعقوب والكوفيين غير حفص معظماً له بالقطع في قراءة الباقين بالرفع :﴿رب المشرق﴾ أي موجد محل الأنوار التي بها ينمحي هذا الليل الذي أنت قائم فيه ويضيء بها الصباح وعند الصباح يحمد القوم السرى بما أنالهم من الأنوار في مرائي قلوبهم وما زينها به من شهب المعاني كما أوجد لهم في آفاق أفلاكهم من شموس المعاني المثمرة ليدور الأنس في مواطن القدس، فلا يطلع كوكب في الموضع الذي هو ربه إلا بإذنه، وهو رب كل مكان، وما أحسن ما قال الإمام الرباني تقي الدين بن دقيق العيد :
كم ليلة فيك وصلنا السرى...
لا نعرف الغمض ولا نستريح
واختلف الأصحاب ماذا الذي...
يزيح من شكواهم أو يريح
فقيل تعريسهم ساعة...
وقلت بل ذكراك وهو الصحيح
ولما ذكر مطالع الأنوار، لأنها المقصود لما لها من جلي الإظهار، ووحد لأنه أوفق لمقصود السورة الذي هو محطة لانجماح المدلول عليه بالتزمل، أتبعه مقابله فقال :﴿والمغرب﴾ أي الذي يكون عنه الليل والذي هو محل السكن وموضع الخلوات ولذيذ المناجاة، فلا تغرب شمس ولا قمر ولا نجم إلا بتقديره سبحانه، وإذا كان رب ما فيه هذه الصنائع التي هي أبدع ما يكون كان رب ما دون ذلك.
لما علم بهذا أنه المختص بتدبير الكائنات، المتفرد بإيجاد الموجودات، كان أهلاً لأن يفرد بالعبادة وجميع التوجه فقال مستأنفاً :﴿لا إله﴾ أي معبود بحق ﴿إلا هو﴾ أي ربك الذي دلت تربيته لك على مجامع العظمة وأنهى صفات الكمال والتنزه عن كل شائبة نقص.


الصفحة التالية
Icon