وقال القرطبى :
﴿ إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ ﴾
فيه ثلاث عشرة مسألة :
الأولى قوله تعالى :﴿ إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ ﴾ هذه الآية تفسير لقوله تعالى :﴿ قُمِ الليل إِلاَّ قَلِيلاً * نِّصْفَهُ أَوِ انقص مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ ﴾ كما تقدّم، وهي الناسخة لفرضية قيام الليل كما تقدّم.
"تَقُومُ" معناه تصلّي و ﴿ أدنى ﴾ أي أقلّ.
وقرأ ابن السَّمَيْقَع وأبو حَيْوة وهشام عن أهل الشام ﴿ ثُلُثَيِ ﴾ بإسكان اللام.
﴿ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ ﴾ بالخفض قراءة العامة عطفاً على "ثُلُثَيِ" ؛ المعنى : تقوم أدنى من ثلثي الليل ومن نصفه وثلثه.
واختاره أبو عبيد وأبو حاتم ؛ كقوله تعالى :﴿ عَلِمَ أَلَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ ﴾ فكيف يقومون نصفه أو ثلثه وهم لا يحصونه.
وقرأ ابن كثير والكوفيون "ونِصْفَهُ وَثُلُثَه" بالنصب عطفاً على "أَدْنَى" التقدير : تقوم أدنى من ثلثي الليل وتقوم نصفَه وثلثَه.
قال الفراء : وهو أشبه بالصواب ؛ لأنه قال أقلّ من الثلثين، ثم ذكر نفس القِلّة لا أقلّ من القلّة.
القُشَيْري : وعلى هذه القراءة يحتمل أنهم كانوا يصيبون الثلث والنصف ؛ لخفة القيام عليهم بذلك القدر، وكانوا يزيدون، وفي الزيادة إصابة المقصود، فأما الثلثان فكان يثقل عليهم قيامه فلا يصيبونه، وينقصون منه.
ويحتمل أنهم أُمروا بقيام نصف الليل، ورُخّص لهم في الزيادة والنقصان، فكانوا ينتهون في الزيادة إلى قريب من الثلثين، وفي النصف إلى الثلث.
ويحتمل أنهم قدّر لهم النصف وأنقص إلى الثلث، والزيادة إلى الثلثين، وكان فيهم من يفي بذلك، وفيهم من يترك ذلك إلى أن نُسخ عنهم.
وقال قوم : إنما افترض الله عليهم الربع، وكانوا ينقصون من الربع.
وهذا القول تحكُّم.


الصفحة التالية
Icon