الثاني : وهو قول الأصم : أنه الجماع فما دونه وعلى هذا الوجه اختلف المفسرون في معنى قوله :﴿وَلاَ تباشروهن وَأَنتُمْ عاكفون فِي المساجد﴾ فمنهم من حمله على كل المباشرات ولم يقصره على الجماع والأقرب أن لفظ المباشرة لما كان مشتقاً من تلاصق البشرتين لم يكن مختصاً بالجماع بل يدخل فيه الجماع فيما دون الفرج، وكذا المعانقة والملامسة إلا أنهم إنما اتفقوا في هذه الآية على أن المراد به هو الجماع لأن السبب في هذه الرخصة كان وقوع الجماع من القوم، ولأن الرفث المتقدم ذكره لا يراد به إلا الجماع إلا أنه لما كان إباحة الجماع تتضمن إباحة ما دونه صارت إباحته دالة على إباحة ما عداه، فصح ههنا حمل الكلام على الجماع فقط، ولما كان في الاعتكاف المنع من الجماع لا يدل على المنع مما دونه صلح اختلاف المفسرين فيه، فهذا هو الذي يجب أن يعتمد عليه، على ما لخصه القاضي. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٥ صـ ٩٢﴾
قال ابن عادل :
قوله :" فالآنَ بَاشِرُوهُنَّ " قد تقدَّم الكلام على " الآنَ " وفي وقوعه ظرفاً للأمر تأويلٌ، وذلك أنه للزمن الحاضر، والأمر مستقبلٌ أبداً، وتأويله ما قاله أبو البقاء ؛ قال :" وَالآنَ : حقيقته الوقت الذي أنت فيه، وقد يقع على الماضي القريب منك، وعلى المستقبل القريب، تنزيلاً للقريب منزلة الحاضر، وهو المراد هنا، لأنَّ قوله :" فَالآنَ بَاشِرُوهِنَّ "، أي : فالوقتُ الذي كان يُحَرَّمُ عليكُمْ فيه الجماع من اللَّيلِ "، وقيل : هذا كلامٌ محمولٌ على معناه، والتقدير : فالآن قد أبَحْنَا لَكُمْ مُبَاشَرَتَهُنَّ، ودَلَّ على هذا المحذوف لفظ الأمر، فالآن على حَقِيقَتِهِ. وسمِّي الوِقَاعُ مباشرةً، لتلاصق البَشَرَتَيْنِ فيه


الصفحة التالية
Icon