وأما القسم الثالث : وهو أن يكون متناهياً من كل الجوانب، فذلك باطل بالاتفاق بيننا وبين خصومنا، فبطل القول بأنه تعالى في الجهة الثالث : وهو أن هذه الآية من أقوى الدلائل على أن القرب المذكور في هذه الآية ليس قرباً بالجهة، وذلك لأنه تعالى لو كان في المكان لما كان قريباً من الكل، بل كان يكون قريباً من حملة العرش وبعيداً من غيرهم، ولكان إذا كان قريباً من زيد الذي هو بالمشرق كان بعيداً من عمرو الذي هو بالمغرب، فلما دلت الآية على كونه تعالى قريباً من الكل علمنا أن القرب المذكور في هذه الآية ليس قرباً بحسب الجهة، ولما بطل أن يكون المراد منه القرب بالجهة ثبت أن المراد منه القرب بمعنى أنه تعالى يسمع دعاءهم ويرى تضرعهم، أو المراد من هذا القرب : العلم والحفظ وعلى هذا الوجه قال تعالى :﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَمَا كُنتُمْ﴾ [الحديد : ٤] وقال :﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوريد﴾ [ق : ١٦] وقال :﴿مَا يَكُونُ مِن نجوى ثلاثة إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ﴾ [المجادله : ٧] والمسلمون يقولون إنه تعالى بكل مكان ويريدون به التدبير والحفظ والحراسة إذا عرفت هذه المقدمة فنقول : لا يبعد أن يقال إنه كان في بعض أولئك الحاضرين من كان قائلاً بالتشبيه، فقد كان في مشركي العرب وفي اليهود وغيرهم من هذه طريقته، فإذا سألوه عليه الصلاة والسلام فقالوا : أين ربنا ؟ صح أن يكون الجواب : فإني قريب، وكذلك إن سألوه عليه الصلاة والسلام فقالوا : هل يسمع ربنا دعاءنا ؟ صح أن يقول في جوابه : فإني قريب فإن القريب من المتكلم يسمع كلامه، وإن سألوه كيف ندعوه برفع الصوت أو بأخفائه ؟ صح أن يجيب بقوله : فإني قريب، وإن سألوه هل يعطينا مطلوبنا بالدعاء ؟ صلح هذا الجواب أيضاً، وإن سألوه إنا إذا أذنبنا ثم تبنا فهل يقبل الله توبتنا ؟ صلح أن يجيب بقوله : فإني قريب أي فأنا القريب بالنظر لهم والتجاوز عنهم وقبول


الصفحة التالية
Icon