وقال ابن عباس : قم نذيراً للبشر، احتج القائلون بالقول الأول بقوله تعالى :﴿وَأَنذِرِ﴾ [ الأنعام : ٥١ ] واحتج القائلون بالقول الثاني بقوله تعالى :﴿وَمَا أرسلناك إِلاَّ كَافَّةً لّلنَّاسِ﴾ [ سبأ : ٢٨ ] وههنا قول ثالث، وهو أن المراد فاشتغل بفعل الإنذار، كأنه تعالى يقول له تهيأ لهذه الحرفة، فإنه فرق بين أن يقال تعلم صنعة المناظرة، وبين أن يقال : ناظر زيداً.
وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (٣)
فيه مسألتان :
المسألة الأولى :
ذكروا في تفسير التكبير وجوهاً أحدها : قال الكلبي : عظم ربك مما يقوله عبدة الأوثان وثانيها : قال مقاتل : هو أن يقول : الله أكبر، روى أنه " لما نزلت هذه الآية قام النبي ﷺ وقال : الله أكبر كبيراً، فكبرت خديجة وفرحت، وعلمت أنه أوحى إليه " وثالثها : المراد منه التكبير في الصلوات، فإن قيل : هذه السورة نزلت في أول البعث وما كانت الصلاة واجبة في ذلك الوقت ؟ قلنا : لا يبعد أنه كانت له عليه السلام صلوات تطوعية، فأمر أن يكبر ربه فيها ورابعها : يحتمل عندي أن يكون المراد أنه لما قيل له :﴿قُمْ فَأَنذِرْ﴾ قيل بعد ذلك :﴿وَرَبَّكَ فَكَبّرْ﴾ عن اللغو والعبث.
واعلم أنه ما أمرك بهذا الإنذار إلا لحكمة بالغة، ومهمات عظيمة، لا يجوز لك الإخلال بها، فقوله :﴿وَرَبُّكَ﴾ كالتأكيد في تقرير قوله :﴿قُمْ فَأَنذِرْ﴾ وخامسها : عندي فيه وجه آخر وهو أنه لما أمره بالإنذار، فكأن سائلاً سأل وقال : بماذا ينذر ؟ فقال : أن يكبر ربه عن الشركاء والأضداد والأنداد ومشابهة الممكنات والمحدثات، ونظير قوله في سورة النحل :﴿أَنْ أَنْذِرُواْ أَنَّهُ لا إله إِلا أَنَاْ فاتقون﴾ [ النحل : ٢ ] وهذا تنبيه على أن الدعوة إلى معرفة الله ومعرفة تنزيهه مقدمة على سائر أنواع الدعوات.
المسألة الثانية :