كناية عن النفس.
قال عنترة :
فشككت بالرمح الأصم ثيابه.. ( أي نفسه ) ولهذا قال :
ليس الكريم على القنا بمحرم.. الاحتمال الرابع : وهو أن يحمل لفظ الثياب، ولفظ التطهير على المجاز، وذكروا على هذا الاحتمال وجوهاً الأول : وهو قول أكثر المفسرين : وقلبك فطهر عن الصفات المذمومة وعن الحسن :﴿وَثِيَابَكَ فَطَهّرْ﴾ قال : وخلقك فحسن، قال القفال : وهذا يحتمل وجوهاً أحدها : أن الكفار لما لقبوه بالساحر شق ذلك عليه جداً، حتى رجع إلى بيته وتدثر بثيابه، وكان ذلك إظهار جزع وقلة صبر يقتضيه سوء الخلق، فقيل له : قم فأنذر ولا تحملنك سفاهتهم على ترك إنذارهم بل حسن خلقك والثاني : أنه زجر عن التخلق بأخلاقهم، فقيل له : طهر ثيابك أي قلبك عن أخلاقهم، في الافتراء والتقول والكذب وقطع الرحم والثالث : فطهر نفسك وقلبك عن أن تعزم على الانتقام منهم والإساءة إليهم، ثم إذا فسرنا الآية بهذا الوجه، ففي كيفية اتصالها بما قبلها وجهان الأول : أن يقال : إن الله تعالى لما ناداه في أول السورة، فقال :
﴿يا أَيُّهَا المدثر﴾ [ المدثر : ١ ] وكان التدثر لباساً، والدثار من الثياب، قيل طهر ثيابك التي أنت متدثر بها عن أن تلبسها على هذا التفكر والجزع والضجر من افتراء المشركين الوجه الثاني : أن يفسر المدثر بكونه متدثراً بالنبوة، كأنه قيل : يا أيها المتدثر بالنبوة طهر ما تدثرت به عن الجزع وقلة الصبر، والغضب والحقد، فإن ذلك لا يليق بهذا الدثار، ثم أوضح ذلك بقوله :﴿وَلِرَبّكَ فاصبر﴾ [ المدثر : ٧ ] واعلم أن حمل المدثر على المتصف ببعض الصفات جائز، يقال : فلان طاهر الجيب نقي الذيل، إذا وصفوه بالنقاء من المعايب، ويقال : فلان دنس الثياب إذا كان موصوفاً بالأخلاق الذميمة، قال الشاعر :
فلا أب وابناً مثل مروان وابنه.. إذا هو بالمجد ارتدى وتأزرا


الصفحة التالية
Icon