والتقدير فلا تضعف أن تستكثر من هذه الطاعات الأربعة التي أمرت بها قبل هذه الآية، ومن ذهب إلى هذا قال : هو مثل قوله :﴿أَفَغَيْرَ الله تَأْمُرُونّى أَعْبُدُ﴾ [ الزمر : ٦٤ ] أي أن أعبد فحذفت أن وذكر الفراء أن في قراءة عبد الله ( ولا تمتن تستكثر ) وهذا يشهد لهذا التأويل، وهذا القول اختيار مجاهد وخامسها : وهو قول أكثر المفسرين أن معنى قوله :﴿وَلاَ تَمْنُن﴾ أي لا تعط يقال : مننت فلاناً كذا أي أعطيته، قال :﴿هذا عَطَاؤُنَا فامنن أَوْ أَمْسِكْ﴾ [ ص : ٣٩ ] أي فأعط، أو أمسك وأصله أن من أعطى فقد من، فسميت العطية بالمن على سبيل الاستعارة، فالمعنى ولا تعط مالك لأجل أن تأخذ أكثر منه، وعلى هذا التأويل سؤالات :
السؤال الأول : ما الحكمة في أن الله تعالى منعه من هذا العمل ؟ الجواب : الحكمة فيه من وجوه الأول : لأجل أن تكون عطاياه لأجل الله لا لأجل طلب الدنيا، فإنه نهى عن طلب الدنيا في قوله :﴿وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ﴾ [ الحجر : ٨٨ ] وذلك لأن طلب الدنيا لا بد وأن تكون الدنيا عنده عزيزة، ومن كان كذلك لم يصلح لأداء الرسالة الثاني : أن من أعطى غيره القليل من الدنيا ليأخذ الكثير لا بد وأن يتواضع لذلك الغير ويتضرع له، وذلك لا يليق بمنصب النبوة، لأنه يوجب دناءة الآخذ، ولهذا السبب حرمت الصدقات عليه، وتنفير المأخوذ منه، ولهذا قال :
﴿أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُم مّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ﴾ [ الطور : ٤٠ ].
السؤال الثاني : هذا النهي مختص بالرسول عليه الصلاة والسلام، أم يتناول الأمة ؟ الجواب : ظاهر اللفظ لا يفيد العموم وقرينة الحال لا تقتضي العموم لأنه عليه الصلاة والسلام إنما نهى عن ذلك تنزيهاً لمنصب النبوة، وهذا المعنى غير موجود في الأمة، ومن الناس من قال هذا المعنى في حق الأمة هو الرياء، والله تعالى منع الكل من ذلك.


الصفحة التالية
Icon