وقال ابن عطية :
﴿ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١) ﴾
اختلف القراء في ﴿ المدثر ﴾ على نحو ما ذكرناه في ﴿ المزمل ﴾ [ المزمل : ١ ]، وفي حرف أبيّ بن كعب ﴿ المدثر ﴾ ومعناه المتدثر بثيابه، و" الدثار "، ما يتغطى الإنسان به من الثياب، واختلف الناس لم ناداه ب ﴿ المدثر ﴾، فقال جمهور المفسرين بما ورد في البخاري من أنه لما فرغ من رؤية جبريل على كرسي بين السماء والأرض فرعب منه ورجع إلى خديجة فقال : زملوني زملوني نزلت ﴿ يا أيها المدثر ﴾، وقال النخعي وقتادة وعائشة نودي وهو في حال تدثر فدعي بحال من أحواله. وروي أنه كان يدثر في قطيفة. وقال آخرون : معناه أيها النائم. وقال عكرمة معناه ﴿ يا أيها المدثر ﴾ للنبوة وأثقالها، واختلف الناس في أول ما نزل من كتاب الله تعالى فقال جابر بن عبد الله وأبو سلمة والنخعي ومجاهد هو ﴿ يا أيها المدثر ﴾ الآيات. وقال الزهري والجمهور هو ﴿ اقرأ باسم ربك الذي خلق ﴾ [ العلق : ١ ] وهذا هو الأصح. وحديث صدر كتاب البخاري نص في ذلك. وقوله تعالى :﴿ قم فأنذر ﴾ بعثة عامة إلى جميع الخلق. قال قتادة، المعنى أنذر عذاب الله ووقائعه بالأمم، وقوله تعالى :﴿ وربك فكبر ﴾ معناه عظمه بالعبادة وبث شرعه. وروي عن أبي هريرة أن بعض المؤمنين قال : بم نفتتح صلاتنا؟ فنزلت ﴿ وربك فكبر ﴾. واختلف المتأولون في معنى قوله ﴿ وثيابك فطهر ﴾، فقال ابن سيرين وابن زيد بن أسلم والشافعي وجماعة : هو أمر بتطهير الثياب حقيقة، وذهب الشافعي وغيره من هذه الآية إلى وجوب غسل النجاسات من الثياب، وقال الجمهور : هذه الألفاظ استعارة في تنقية الأفعال والنفس والعرض، وهذا كما تقول فلان طاهر الثوب، ويقال للفاجر دنس الثوب، ومنه قول الشاعر [ غيلان بن سلمة الثقفي ] :[ الطويل ]
وإني بحمد الله لا ثوب فاجر... لبست ولا من خزية أتقنع
وقال الآخر :[ الرجز ]
لاهم إن عامر ابن جهم... أوذم حجّاً في ثياب دهم