ثم يصل أمر الآخرة وسقر ومن عليها بمشاهد كونية حاضرة، ليجمع على القلوب إيحاء هذه وتلك في معرض الإيقاظ والتحذير:(كلا والقمر. والليل إذ أدبر. والصبح إذا أسفر. إنها لإحدى الكبر. نذيرا للبشر. لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر)..
كما يعرض مقام المجرمين ومقام أصحاب اليمين، حيث يعترف المكذبون اعترافا طويلا بأسباب استحقاقهم للارتهان والقيد في يوم الجزاء والحساب، يعقب عليه بكلمة الفصل في أمرهم الذي لا تنفعهم فيه شفاعة شافع:(كل نفس بما كسبت رهينة. إلا أصحاب اليمين. في جنات يتساءلون عن المجرمين. ما سلككم في سقر ؟ قالوا: لم نك من المصلين. ولم نك نطعم المسكين. وكنا نخوض مع الخائضين. وكنا نكذب بيوم الدين. حتى أتانا اليقين. فما تنفعهم شفاعة الشافعين)..
وفي ظل هذا المشهد المخزي، والاعتراف المهين، يتساءل مستنكرا موقف المكذبين من الدعوة إلى التذكرة والنجاة من هذا المصير، ويرسم لهم مشهدا ساخرا يثير الضحك والزراية من نفارهم الحيواني الشموس:(فما لهم عن التذكرة معرضين ؟ كأنهم حمر مستنفرة. فرت من قسورة !).
ويكشف عن حقيقة الغرور الذي يساورهم فيمنعهم من الاستجابة لصوت المذكر الناصح.(بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة).. فهو الحسد للنبي ( ﷺ ) والرغبة في أن يؤتى كل منهم الرسالة ! والسبب الدفين الآخر هو قلة التقوى:(كلا ! بل لا يخافون الآخرة)..
وفي الختام يجيء التقرير الجازم الذي لا مجاملة فيه:(كلا ! إنه تذكرة. فمن شاء ذكره)ورد الأمر كله إلى مشيئة الله وقدره:(وما يذكرون إلا أن يشاء الله هو أهل التقوى وأهل المغفرة)..