قومه وأداروا الرأي فيما يقولونه في القرآن فقالوا له : ما تقول في هذا الذي جاء به محمد ـ ﷺ ـ ؟ قال : قولوا أسمع لكم، قالوا : شعر، قال : ليس بشعر، قد علمنا الشعر كله، وفي رواية : هل رأيتموه يتعاطى شعراً؟ قالوا : كهانة، قال : ليس بكهانة، هل رأيتموه يتكهن؟ فعدوا أنواع البهت التي رموا بها القرآن فردها، وأقام الدليل على ردها، وقال : لا تقولوا شيئاً من ذلك إلا أعلم أنه كذب، قالوا : فقل أنت وأقم لنا فيه رأياً نجتمع عليه، قال : أقرب ذلك إليه السحر، هو يفرق بين المرء وأبيه وبين المرء وزوجه وعشيرته، فافترقوا على ذلك، وكان قوله هذا سبب هلاكه فكان كما قال بعضهم :
احفظ لسانك أيها الإنسان...
لا يلدغنك إنه ثعبان
كم في المقابر من قتيل لسانه...
كانت تخاف لقاءة الشجعان
ولما انقضى بيان عناده فحصل التشوف لتفصيل جزائه في معاده، قال مبيناً لبعض ما أفهمه إرهاقه الصعود :﴿سأصليه﴾ أي بوعيد لا بد منه عن قرب ﴿سقر﴾ أي الدركة النارية التي تفعل في الأدمغة من شدة حموها ما يجل عن الوصف، فأدخله إياها وألوّحه في الشدائد حرها وأذيب دماغه بها، وأسيل ذهنه وكل عصارته بشديد حرها جزاء على تفكيره، هذا الذي قدره وتخيله وصوره بإدارته في طبقات دماغه ليحرق أكباد أولياء الله وأصفيائه.
ولما أثبت له هذا العذاب عظمه وهوله بقوله :﴿وما أدراك﴾ أي أعلمك وإن اجتهدت في البحث ﴿ما سقر﴾ يعني أن علم هذا خارج عن طوق البشر لا يمكن أن يصل إليه أحد منهم بإعلام الله له لأنه أعظم من أن يطلع عليه بشر.