الذي يعبده قومك من دون اللّه «فَاهْجُرْ ٥» ولا تقربه أبدا «وَلا تَمْنُنْ» بما أعطاك اللّه في الرسالة والذكر على قومك وغيرهم «تَسْتَكْثِرُ ٦» به في طلب الأجر منهم ولا تقل دعوتهم فلم يقبلوا مني، بل عد عليهم المرة بعد الأخرى وادعهم إلى عبادة اللّه ولا تستكثر تكرار دعوتك لهم، فإن لك الأجر العظيم بذلك، وقال بعض المفسرين لا تعط مالك وترى ما تعطيه كثيرا أو تطلب أكثر منه بناء على ما اعتاد قومه من العادات غير المرضية، انهم كانوا يعطون الهدية بقصد أن يهدى لهم أكثر منها، ومن أمثالهم، الهدية تأتي على حمار، وترجع على جمل، حثا للمهدي على إهداء الكثير، فنهى رسوله عن ذلك تنزيها لمنصب النبوة لأنه مأمور بأجل الأخلاق وأشرف الآداب ويدل على ما جرينا عليه قوله تعالى :«وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ ٧» لأن المعنى الذي ذكروه لا يحتاج إلى الصبر حتى يأمر به، ولأن من أعطى شيئا لغيره طلبا للزيادة لا بد وأن يتواضع الذي أعطاه، ومنصب النبوة يجل عن ذلك كيف وهي تعلم الناس الإباء عن كل ما يخل بالاحترام ومكارم الأخلاق، وقيل هما رباءان حلال كالهدية الكثيرة لمن أهدى أقل منها وحرام لمن أعطى شيئا بأكثر منه، وقد استدلوا بالآية ٣٨ من سورة الروم ج ٢ وهي (وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ).
وهو لعمري بعيد لأن الظاهر يأباه والمعنى لا ينطبق عليه وتفسيرها بالصورة التي ذكرناها أوّلا أولى وأوفق كما لا يخفى على بصير، وسيأتي لهذا البحث تفصيل في تفسيرها إن شاء اللّه، وعلى كل يقول اللّه جل قوله فاصبر يا أكمل الرسل على أذاهم كيفما كان، فكل مصبور عليه مصبور عنه، واصبر على العمل بأوامر ربك ونواهيه فالدنيا كلها فانية «فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ ٨» أي نفخ إسرافيل في البوق النفخة الأولى «فَذلِكَ» يوم النفخ «يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ ٩» شديد هوله «عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ ١٠» بل عسير جدا، وهي بلفظ يسير لتكرار التأكيد، وفي تخصيصه بالكافرين دلالة على أنه هين على المؤمنين إن شاء اللّه.