ولما كان الجواب قطعاً : لا شيء لهم في إعراضهم هذا، أضرب عنه بقوله :﴿بل يريد﴾ أي على دعواهم وبزعمهم ﴿كل امرىء منهم﴾ أي المعرضين، مع ادعائه الكمال في المروءة ﴿أن يؤتى﴾ أي من السماء بناه للمفعول لأن مرادهم معروف ﴿صحفاً﴾ أي قراطيس مكتوبة ﴿منشرة﴾ أي كثيرة جداً وكل واحد منها منشور لا مانع من قراءته وأخذه، وذلك أنهم قالوا للنبي ـ ﷺ ـ : لن نتبعك حتى تأتي كلاًّ منا بكتاب من السماء فيه : من الله إلى فلان اتبع محمداً ـ ﷺ ـ.
ولما كان ذلك إنما هو تعنت، لا أنه على حقيقته قال :﴿كلا﴾ أي ليس لهم غرض في الاتباع بوجه من الوجوه لا بهذا الشرط ولا بغيره :﴿بل﴾ علتهم الحقيقية في هذا الإعراض أنهم ﴿لا يخافون﴾ أي في زمن من الأزمان ﴿الآخرة﴾ ولما كان فعلهم هذا فعل من يعتقد في القرآن أنه ليس بوعظ صحيح يستحق أن يتبع، قال رادعاً لهم عن هذا اللازم :﴿كلا﴾ أي ليس الأمر قطعاً كما تزعمون من أن هذا القرآن لا يستحق الإقبال، ثم أستأنف قوله مؤكداً لأجل ما تضمن هذا الفعل من إنكارهم :﴿إنه﴾ أي القرآن ﴿تذكرة﴾ أي موضع وعظ عظيم يوجب إيجاباً عظيماً اتباعه وعدم الانفكاك عنه بوجه فليس لأحد أن يقول : أنا معذور لأني لم أجد مذكراً ولا معرفاً فإن عنده أعظم مذكر وأشرف مفرق.


الصفحة التالية
Icon