﴿ فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ ﴾ أيْ من أسدٍ فَعْوَلَة من القَسْرِ وهُو القهرُ والغلبةُ وقيل : هي جماعةُ الرماةِ الذين يتصيدونَها شُبهواً في إعراضِهم عن القرآنِ واستماعِ ما فيه من المواعظِ وشرادِهم عنه بحمُرٍ جدَّت في نفارِها مما أفزعَها وفيهِ من ذمِهم وتهجينِ حالِهم ما لا يَخْفى وقولُه تعالى :﴿ بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امرىء مّنْهُمْ أَن يؤتى صُحُفاً مُّنَشَّرَةً ﴾ عطفٌ على مقدرٍ يقتضيه المقامُ كأنه قيلَ : لا يكتفونَ بتلك التذكرة ولا يرضَون بها بلْ يريدُ كل واحدٍ منهم أنْ يُؤتى قراطيسَ تنشرُ وتقرأُ وذلكَ أنهم قالُوا لرسول الله ﷺ لنْ نتبعكَ حتى تأتِي كلَّ واحدٍ منها بكتابٍ من السماءِ عنوانُه من ربِّ العالمينَ إلى فلانِ بنِ فلانٍ نؤمُر فيها باتباعكَ كما قالُوا لن نؤمنَ لرقيكَ حتى تنزلَ علينَا كتاباً نقرؤْه وقرىءَ صُحْفاً مُنْشرةً بسكونِ الحاءِ والنونِ ﴿ كَلاَّ ﴾ ردعٌ لهم عن تلكَ الجراءة ﴿ بَل لاَّ يَخَافُونَ الأخرة ﴾ فلذلكَ يُعرضون عن التذكرة لا لامتناع إيتاءِ الصحفِ ﴿ كَلاَّ ﴾ ردعٌ عنْ إعراضِهم ﴿ إِنَّهُ ﴾ أي القرآنَ ﴿ تَذْكِرَةٌ ﴾ وأيُّ تذكرةٍ ﴿ فَمَن شَاء ﴾ أن يذكرَهُ ﴿ ذَكَرَهُ ﴾ وحازَ بسيبهِ سعادةَ الدارينِ ﴿ وَمَا يَذْكُرُونَ ﴾ بمجرد مشيئتِهم للذكر كما هُو المفهومُ من ظاهرِ قولِه تعالى فمَنْ شاءَ ذكرَهُ إذْ لا تأثيرَ لمشيئةِ العبدِ وإرادتِه في أفعالِه، وقولُه تعالى ﴿ إِلاَّ أَن يَشَاء الله ﴾ استئناءٌ مفرغٌ من أعم العلل أو من أعم الأحوال أيْ وما يذكرونَ بعلةٍ من العلل أو في حالٍ من الأحوالِ إلا بأنْ يشاءَ الله أو حالَ أنْ يشاءَ الله ذلكَ وهو تصريحٌ بأن أفعالَ العبادِ بمشيئةِ الله عَزَّ وجَلَّ وقُرِىءَ تذكرونَ على الخطاب التفاتاً وقرىءَ بهمَا مشدداً ﴿ هُوَ أَهْلُ التقوى ﴾ أي حقيقٌ بأنْ يُتقى عقابُه ويؤمنَ به ويطاعَ ﴿ وَأَهْلُ المغفرة ﴾ حقيقٌ بأنْ يغفرَ لمنْ آمنَ
بهِ وأطاعَهُ. أ هـ ﴿تفسير أبى السعود حـ ٩ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon