احتج من قال : إنه تعالى قد يريد الإضلال بهذه الآية، قال لأن قوله تعالى :﴿وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لّلَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ يدل على أن المقصود الأصلي إنما هو فتنة الكافرين، أجابت المعتزلة عنه من وجوه أحدها : قال الجبائي : المراد من الفتنة تشديد التعبد ليستدلوا ويعرفوا أنه تعالى قادر على أن يقوي هؤلاء التسعة عشر على مالا يقوى عليه مائة ألف ملك أقوياء وثانيها : قال الكعبي : المراد من الفتنة الامتحان حتى يفوض المؤمنون حكمة التخصيص بالعدد المعين إلى علم الخالق سبحانه، وهذا من المتشابه الذي أمروا بالإيمان به وثالثها : أن المراد من الفتنة ما وقعوا فيه من الكفر بسبب تكذيبهم بعدد الخزنة، والمعنى إلا فتنة على الذين كفروا ليكذبوا به، وليقولوا ما قالوا، وذلك عقوبة لهم على كفرهم، وحاصله راجع إلى ترك الألطاف والجواب : أنه لا نزاع في شيء مما ذكرتم، إلا أنا نقول : هل لإنزال هذه المتشابهات أثر في تقوية داعية الكفر، أم لا ؟ فإذا لم يكن له أثر في تقوية داعية الكفر، كان إنزالها كسائر الأمور الأجنبية، فلم يكن للقول بأن إنزال هذه المتشابهات فتنة للذين كفروا وجه ألبتة، وإن كان له أثر في تقوية داعية الكفر، فقد حصل المقصود، لأنه إذا ترجحت داعية الفعل، صارت داعية الترك مرجوحة، والمرجوح يمتنع أن يؤثر، فالترك يكون ممتنع الوقوع، فيصير الفعل واجب الوقوع، والله أعلم، واعلم أنه تعالى بين أن المقصود من إنزال هذا المتشابه أمور أربعة.
أولها :﴿لِيَسْتَيْقِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب﴾ وثانيها :﴿وَيَزْدَادَ الذين ءامَنُواْ إيمانا﴾ وثالثها :﴿وَلاَ يَرْتَابَ الذين أُوتُواْ الكتاب والمؤمنون﴾ ورابعها :﴿وَلِيَقُولَ الذين فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ والكافرون مَاذَا أَرَادَ الله بهذا مَثَلاً﴾ واعلم أن المقصود من تفسير هذه الآيات لا يتلخص إلا بسؤالات وجوابات :


الصفحة التالية