وقال القرطبى فى الآيات السابقة :
قوله تعالى :﴿ ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً ﴾
﴿ ذَرْنِي ﴾ أي دعني ؛ وهي كلمة وعيد وتهديد.
﴿ وَمَنْ خَلَقْتُ ﴾ أي دعني والذي خلقتُه وحيداً ؛ ف "وحيداً" على هذا حال من ضمير المفعول المحذوف، أي خلقته وحده، لا مال له ولا ولد، ثم أعطيتهُ بعد ذلك ما أعطيته.
والمفسرون على أنه الوليد بن المغيرة المخزوميّ، وإن كان الناس خلقوا مثل خلقه.
وإنما خُصّ بالذكر لاختصاصه بكفر النعمة وإيذاء الرسول عليه السلام، وكان يسمَّى الوحيد في قوله.
قال ابن عباس : كان الوليد يقول : أنا الوحيد بن الوحيد، ليس لي في العرب نظير، ولا لأبي المغيرة نظير، وكان يسمى الوحيد ؛ فقال الله تعالى :﴿ ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ ﴾ بزعمه ﴿ وَحِيداً ﴾ لا أن الله تعالى صدّقه بأنه وحيد.
وقال قوم : إن قوله تعالى :﴿ وَحِيداً ﴾ يرجع إلى الربّ تعالى على معنين : أحدهما : ذرني وحدي معه فأنا أجزيك في الانتقام منه عن كل منتقم.
والثاني : أني انفردت بخلقه ولم يشركني فيه أحد، فأنا أهلكه ولا أحتاج إلى ناصر في إهلاكه ؛ ف "وحِيداً" على هذا حال من ضمير الفاعل، وهو التاء في "خَلَقْتُ" والأوّل قول مجاهد، أي خلقته وحيداً في بطن أمه لا مال له ولا ولد، فأنعمت عليه فكفر ؛ فقوله :"وِحيداً" على هذا يرجع إلى الوليد، أي لم يكن له شيء فملكته.
وقيل : أراد بذلك ليدله على أنه يبعث وحيداً كما خُلق وحيداً.
وقيل : الوحيد الذي لا يُعرف أبوه، وكان الوليد معروفاً بأنه دَعِيّ ؛ كما ذكرنا في قوله تعالى :﴿ عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ ﴾ [ القلم : ١٣ ] وهو في صفة الوليد أيضاً.
قوله تعالى :﴿ وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَّمْدُوداً ﴾ أي خوّلته وأعطيته مالاً ممدوداً، وهو ما كان للوليد بين مكة والطائف من الإبل والحُجُور والنَّعَم والجِنان والعبيد والجواري، كذا كان ابن عباس يقول.


الصفحة التالية
Icon