وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ﴾
أي مرتهنة بكسبها، مأخوذة بعملها، إما خلَّصها وإما أوبقها.
وليست "رَهِينَةٌ" تأنيث رهين في قوله تعالى :﴿ كُلُّ امرىء بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ ﴾ [ الطور : ٢١ ] لتأنيث النفس ؛ لأنه لو قُصدت الصفة لقيل رهين ؛ لأن فعيلا بمعنى مفعول يستوى فيه المذكر والمؤنث.
وإنما هو اسم بمعنى الرهن كالشتيمة بمعنى الشتم ؛ كأنه قيل : كل نفس بما كسبت رهين ؛ ومنه بيت الحماسة :
أبْعَدَ الذي بالنَّعْفِ نَعْفِ كُوَيْكَبٍ...
رهِينَةُ رَمْسٍ ذِي تُرابٍ وجَنْدَلِ
كأنه قال رَهْن رمسٍ.
والمعنى : كل نفس رهن بكسبها عند الله غير مفكوك ﴿ إِلاَّ أَصْحَابَ اليمين ﴾ فإنهم لا يُرْتهنون بذنوبهم.
واختلف في تعيينهم ؛ فقال ابن عباس : الملائكة.
علي بن أبي طالب : أولاد المسلمين لم يكتسبوا فيُرتهنوا بكسبهم.
الضحاك : الذين سبقت لهم من الله الحسنى، ونحوه عن ابن جريج ؛ قال : كل نفس بعملها محاسبة ﴿ إِلاَّ أَصْحَابَ اليمين ﴾ وهم أهل الجنة، فإنهم لا يحاسبون.
وكذا قال مقاتل أيضاً : هم أصحاب الجنة الذين كانوا عن يمين آدم يوم الميثاق حين قال الله لهم : هؤلاء في الجنة ولا أبالي.
وقال الحسن وابن كَيْسان : هم المسلمون المخلصون ليسوا بمرتهنين ؛ لأنهم أدّوا ما كان عليهم.
وعن أبي ظبيان عن ابن عباس قال : هم المسلمون.
وقيل : إلا أصحاب الحق وأهل الإيمان.
وقيل : هم الذين يُعطَون كتبهم بأيمانهم.
وقال أبو جعفر الباقر : نحن وشيعتنا أصحاب اليمين، وكل من أبغضنا أهلَ البيت فهم المرتهنون.
وقال الحكم : هم الذين اختارهم الله لخدمته، فلم يدخلوا في الرهن، لأنهم خدام الله وصفوته وكسبهم لم يضرهم.
وقال القاسم : كل نفس مأخوذة بكسبها من خير أو شر، إلا من اعتمد على الفضل والرحمة، دون الكسب والخدمة، فكل من اعتمد على الكسب فهو مرهون، وكل من اعتمد على الفضل فهو غير مأخوذ به.