اعلم أن قوله :﴿بَلْ يُرِيدُ﴾ عطف على ﴿أيحسب﴾، فيجوز فيه أن يكون أيضاً استفهاماً كأنه استفهم عن شيء ثم استفهم عن شيء آخر، ويجوز أن يكون إيجاباً كأنه استفهم أولاً ثم أتى بهذا الإخبار ثانياً.
وقوله :﴿لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ﴾ فيه قولان : الأول : أي ليدوم على فجوره فيما يستقبله من الزمان لا ينزع عنه، وعن سعيد بن جبير : يقدم الذنب ويؤخر التوبة، يقول : سوف أتوب حتى يأتيه الموت على شر أحواله وأسوأ أعماله القول الثاني : ليفجر أمامه، أي ليكذب بما أمامه من البعث والحساب، لأن من كذب حقاً كان كاذباً وفاجراً، والدليل عليه قوله :﴿يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ القيامة﴾ [ القيامة : ٦ ] فالمعنى يريد الإنسان ليفجر أمامه، أي ليكذب بيوم القيامة وهو أمامه، فهو يسأل أيان يوم القيامة، متى يكون ذلك تكذيباً له.
يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ (٦)
أي يسأل سؤال مستنعت مستبعد لقيام الساعة، في قوله : أيان يوم القيامة، ونظيره ﴿يقولون متى هذا الوعد﴾ [ يونس : ٤٨ ] واعلم أن إنكار البعث تارة يتولد من الشبهة وأخرى من الشهوة، أما من الشبهة فهو الذي حكاه الله تعالى بقوله :﴿أَيَحْسَبُ الإنسان أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ﴾ [ القيامة : ٣ ] وتقريره أن الإنسان هو هذا البدن فإذا مات تفرقت أجزاء البدن واختلطت تلك الأجزاء بسائر أجزاء التراب وتفرقت في مشارق الأرض ومغاربها فكان تمييزها بعد ذلك عن غيرها محالاً فكان البعث محالاً، واعلم أن هذه الشبهة ساقطة من وجهين الأول : لا نسلم أن الإنسان هو هذا البدن فلم لا يجوز أن يقال : إنه شيء مدبر لهذا البدن فإذا فسد هذا البدن بقي هو حياً كما كان.


الصفحة التالية
Icon