بِمُخَضَّبٍ رَخْصٍ كأنَّ بَنَانَهُ...
عَنَمٌ يَكادُ مِن اللَّطَافةِ يُعْقَدُ
وقال عنترة :
وأَنَّ الموتَ طَوْعَ يدِي إِذا ما...
وَصَلْت بَنَانَهَا بِالهِنْدُوَانِيْ
فنبّه بالبنان على بقية الأعضاء.
وأيضاً فإنها أصغر العظام، فخصّها بالذكر لذلك.
قال القتبيّ والزجاج : وزعموا أن الله لا يبعث الموتى ولا يقدر على جمع العظام ؛ فقال الله تعالى : بلى قادرين على أن نعيد السُّلاَميّات على صغرها، ونؤلف بينها حتى تستوي، ومن قدر على هذا فهو على جمع الكبار أقدر.
وقال ابن عباس وعامة المفسرين : المعنى :"عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ" أي نجعل أصابع يديه ورجليه شيئاً واحداً كخفّ البعير، أو كحافر الحمار، أو كظلف الخنزير، ولا يمكنه أن يعمل به شيئاً، ولكنا فرّقنا أصابعه حتى يأخذ بها ما شاء.
وكان الحسن يقول : جعل لك أصابع فأنت تبسطهنّ، وتقبضهن بهنّ، ولو شاء الله لجمعهنّ فلم تتق الأرض إلا بكفيك.
وقيل : أي نقدر أن نعيد الإنسان في هيئة البهائم، فكيف في صورته التي كان عليها ؛ وهو كقوله تعالى :﴿ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ.
على أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴾
[ الواقعة : ٦٠-٦١ ].
قلت : والتأويل الأوّل أشبه بمساق الآية.
والله أعلم.
قوله تعالى :﴿ بَلْ يُرِيدُ الإنسان لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ ﴾ قال ابن عباس : يعني الكافر يكذّب بما أمامه من البعث والحساب.
وقاله عبد الرحمن بن زيد ؛ ودليله :﴿ يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ القيامة ﴾ أي يسأل متى يكون! على وجه الإنكار والتكذيب.
فهو لا يقنع بما هو فيه من التكذيب، ولكن يأثم لما بين يديه.
ومما يدل على أن الفجور التكذيب ما ذكره القُتَبِيّ وغيره : أن أعرابيًّا قصد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وشكا إليه نَقْب إبله ودَبَرها، وسَأله أن يحمله على غيرها فلم يحمله ؛ فقال الأعرابيّ :
أَقْسمَ بِاللَّهِ أبو حفصٍ عُمَرْ...


الصفحة التالية
Icon