وقال ابن عاشور :
﴿ لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (١) ﴾
افتتاح السورة بالقسم مؤذن بأن ما سيذكر بعده أمر مهم لتستشرف به نفس السامع كما تقدم في عدة مواضع من أقسام القرآن.
وكونُ القَسَم بيوم القيامة براعةُ استهلال لأن غرض السورة وصف بيوم القيامة.
وفيه أيضاً كون المقسَم به هو المقسَم على أحواله تنبيهاً على زيادة مكانته عند المُقسِم كقول أبي تمام:
وثَنايَاك إِنَّها اِغرِيضُ...
ولَآَلٍ تُؤْمٌ وبَرْقٌ ومِيضُ
كما تقدم عند قوله تعالى :﴿ حم والكتاب المبين إنا جعلناه قرآنا عربياً ﴾ في سورة الزخرف ( ١ ٣ ).
وصيغة لا أقسم } صيغة قسم، أدخل حرف النفي على فعل ﴿ أقسم ﴾ لقصد المبالغة في تحقيق حُرْمة المقسَم به بحيث يُوهِم للسامع أن المتكلم يهم أن يقسم به ثم يترك القسم مخافة الحنث بالمقسم به فيقول : لا أقسم به، أي ولا أقسم بأعزَّ منه عندي، وذلك كناية عن تأكيد القَسم وتقدم عند قوله تعالى :﴿ فلا أقسم بمواقع النجوم ﴾ في سورة الواقعة ( ٧٥ ).
وفيه محسن بديعي من قبيل ما يسمى تأكيد المدح بما يشبه الذم.
وهذا لم نذكره فيما مضى ولم يذكره أحد.
والقسم بيوم القيامة } باعتباره ظرفاً لما يجري فيه من عدل الله وإفاضة فضله وما يحضره من الملائكة والنفوس المباركة.
وتقدم الكلام على ﴿ يوم القيامة ﴾ غير مرة منها قوله تعالى :﴿ ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب ﴾ في سورة البقرة ( ٨٥ ).
وجواب القسم يؤخذ من قوله :﴿ أيحسب الإِنسان أن لن نجمع عظامه ﴾ لأنه دليل الجواب إذ التقدير : لنجمعن عظام الإِنسان أيحسب الإِنسان أن لن نجمع عظامه.
وفي "الكشاف" "قالوا إنه ( أي لا أقسم ) في الإِمام بغير ألف" وتبرأ منه بلفظ ( قالوا ) لأنه مخالف للموجود في المصاحف.
وقد نسب إلى البزي عن ابن كثير أنه قرأ ﴿ لأقسم ﴾ الأول دون ألف وهي رواية عنه ذكرها الشيخ علي النوري في "غيث النفع" ولم يذكرها الشاطبي.


الصفحة التالية
Icon