قال القاضي أبو محمد : وكل نفس متوسطة ليست بالمطمئنة ولا بالأمارة بالسوء، فإنها لوامة في الطرفين مرة تلوم على ترك الطاعة، ومرة تلوم على فوت ما تشتهي، فإذا اطمأنت خلصت وصفت، وقوله تعالى :﴿ أيحسب الإنسان ﴾ تقرير وتوبيخ، و﴿ الإنسان ﴾ اسم جنس وهذه أقوال كانت لكفار قريش فعليها هو الرد، وقرأ جمهور الناس :" نجمع عظامَه " بالنون ونصب الميم من العظام، وقرأ قتادة " أن لن يجمع عظامُه " بالياء ورفع الميم من العظام، ومعنى ذلك في القيامة وبعد البعث من القبور، وقرأ أبو عمرو بإدغام العين ثم قال تعالى :﴿ بلى ﴾ وهي إيجاب ما نفي، وبابها أن تأتي بعد النفي والمعنى بل يجمعها ﴿ قادرين ﴾ بنصب ﴿ قادرين ﴾ على الحال. وقرأ ابن أبي عبلة " قادرون " بالرفع، وقال القتبي :﴿ نسوي بنانه ﴾ معناه نتقنها سوية، والبنان : الأصابع، فكأن الكفار لما استبعدوا جمع العظام بعد الفناء والإرمام، قيل لهم إنما تجمع ويسوى أكثرها تفرقاً أجزاء وهي عظام الأنامل ومفاصلها، وهذا كله عند البعث، وقال ابن عباس وجمهور المفسرين :﴿ نسوي بنانه ﴾ معناه نجعلها في حياته هذه بضعة أو عظماً واحداً كخف البعير لا تفاريق فيه، فكأن المعنى قادرين لأن في الدنيا على أن نجعلها دون تفرق، فتقل منفعته بيده، فكأن التقدير ﴿ بلى ﴾ نحن أهل أن نجمعها ﴿ قادرين ﴾ على إزالة منفعة بيده، ففي هذا توعد ما، والقول الأول أحرى مع رصف الكلام، ولكن على هذا القول جمهور العلماء، وقوله تعالى :﴿ بل يريد الإنسان ليفجر أمامه ﴾ قال بعض المتأولين : الضمير في ﴿ أمامه ﴾ عائد على ﴿ الإنسان ﴾، ومعنى الآية أن الأنسان إنما يريد شهواته ومعاصيه ليمضي فيها أبداً قدماً راكب رأسه ومطيع أمله ومسوفاً بتوبته، قاله مجاهد والحسن وعكرمة وابن جبير والضحاك والسدي. وقال السدي : المعنى ليظلم على قدر طاقته، وقال الضحاك المعنى يركب رأسه في طلب الدنيا دائماً، وقوله


الصفحة التالية
Icon