وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ فَإِذَا بَرِقَ البصر ﴾
قرأ نافع وأبان عن عاصم "بَرَقَ" بفتح الراء، معناه : لمع بصره من شدّة شخوصه، فتراه لا يَطرِف.
قال مجاهد وغيره : هذا عند الموت.
وقال الحسن : هذا يوم القيامة.
وقال فيه معنى الجواب عما سأل عنه الإنسان كأنه يوم القيامة ﴿ فَإِذَا بَرِقَ البصر * وَخَسَفَ القمر ﴾.
والباقون بالكسر "بَرِقَ" ومعناه : تحيّر فلم يَطرِف ؛ قاله أبو عمرو والزجاج وغيرهما.
قال ذو الرمّة :
ولو أنّ لُقْمَانَ الحكيم تَعَرَّضَتْ...
لِعينيهِ مَيٌّ سافِراً كاد يَبْرَقُ
الفرّاء والخليل :"برِقَ" بالكسر : فَزِع وبُهِت وتَحيَّر.
والعرب تقول للإنسان المتحيِّر المبهوت : قد بَرِق فهو برِقٌ ؛ وأنشد الفرّاء :
فنَفْسَكَ فانع ولا تنَعَنِي...
ودَاوِ الكُلُومَ ولا تَبْرِقِ
أي لا تَفزَع من كثرة الكُلُوم التي بك.
وقيل : برَقَ يَبرُق بالفتح : شقّ عينيه وفتحهما.
قاله أبو عبيدة ؛ وأنشد قول الكلابيّ :
لما أتانِي ابن عُمَيرٍ راغِباً...
أعطيتُه عِيساً صِهاباً فبَرقَ
أي فتح عينيه.
وقيل : إن كسر الراء وفتحها لغتان بمعنًى.
قوله تعالى :﴿ وَخَسَفَ القمر ﴾ أي ذهب ضوءه.
والخسوف في الدنيا إلى انجلاء، بخلاف الآخرة، فإنه لا يعود ضوءه.
ويحتمل أن يكون بمعنى غاب ؛ ومنه قوله تعالى :﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأرض ﴾ [ القصص : ٨١ ] وقرأ ابن أبي إسحاق وعيسى والأعرج :"وَخُسِفَ الْقَمَر" بضم الخاء وكسر السين يدل عليه "وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ".
وقال أبو حاتم محمد بن إدريس : إذا ذهب بعضه فهو الكسوف، وإذا ذهب كله فهو الخسوف.
﴿ وَجُمِعَ الشمس والقمر ﴾ أي جمع بينهما في ذهاب ضوئهما، فلا ضوء للشمس كما لا ضوء للقمر بعد خسوفه ؛ قاله الفراء والزجاج.
قال الفراء : ولم يقل جمعت ؛ لأن المعنى جمع بينهما.
وقال أبو عبيدة : هو على تغليب المذكر.


الصفحة التالية
Icon