فصل
قال الفخر :
﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (٣٦) ﴾
أي مهملاً لا يؤمر، ولا ينهى، ولا يكلف في الدنيا ولا يحاسب بعمله في الآخرة، والسدى في اللغة المهمل يقال : أسديت إبلي إسداء أهملتها.
واعلم أنه تعالى لما ذكر في أول السورة، قوله :﴿أَيَحْسَبُ الإنسان أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ﴾ [ القيامة : ٣ ] أعاد في آخر السورة ذلك، وذكر في صحة البعث والقيامة دليلين الأول : قوله :﴿أَيَحْسَبُ الإنسان أَن يُتْرَكَ سُدًى﴾ [ القيامة : ٣٦ ] ونظيره قوله :﴿إِنَّ الساعة ءاتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لتجزى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تسعى﴾ [ طه : ١٥ ] وقوله :﴿أَمْ نَجْعَلُ الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات كالمفسدين فِى الأرض أَمْ نَجْعَلُ المتقين كالفجار﴾ [ ص : ٢٨ ] وتقريره أن إعطاء القدرة والآلة والعقل بدون التكليف والأمر بالطاعة والنهي عن المفاسد يقتضي كونه تعالى راضياً بقبائح الأفعال، وذلك لا يليق بحكمته، فإذاً لا بد من التكليف والتكليف لا يحسن ولا يليق بالكريم الرحيم إلا إذا كان هناك دار الثواب والبعث والقيامة.
الدليل الثاني : على صحة القول بالحشر الاستدلال بالخلقة الأولى على الإعادة، وهو المراد من قوله تعالى.
أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (٣٧)
وفيه مسألتان :
المسألة الأولى :