وقال الشيخ سيد قطب :
تعريف بسورة الإنسان
في بعض الروايات أن هذه السورة مدنية، ولكنها مكية ; ومكيتها ظاهرة جدا، في موضوعها وفي سياقها، وفي سماتها كلها. لهذا رجحنا الروايات الأخرى القائلة بمكيتها. بل نحن نلمح من سياقها أنها من بواكير ما نزل من القرآن المكي.. تشي بهذا صور النعيم الحسية المفصلة الطويلة، وصور العذاب الغليظ، كما يشي به توجيه الرسول ( ﷺ ) إلى الصبر لحكم ربه، وعدم إطاعة آثم منهم أو كفور ; مما كان يتنزل عند اشتداد الأذى على الدعوة وأصحابها في مكة، مع إمهال المشركين وتثبيت الرسول ( ﷺ ) على الحق الذي نزل عليه، وعدم الميل إلى ما يدهنون به.. كما جاء في سورة القلم، وفي سورة المزمل، وفي سورة المدثر، مما هو قريب من التوجيه في هذه السورة.. واحتمال أن هذه السورة مدنية - في نظرنا - هو احتمال ضعيف جدا، يمكن عدم اعتباره !
والسورة في مجموعها هتاف رخي ندي إلى الطاعة، والالتجاء إلى الله، وابتغاء رضاه، وتذكر نعمته، والإحساس بفضله، واتقاء عذابه، واليقظة لابتلائه، وإدراك حكمته في الخلق والإنعام والابتلاء والإملاء..
وهي تبدأ بلمسة رفيقة للقلب البشري: أين كان قبل أن يكون ؟ من الذي أوجده ؟ ومن الذي جعله شيئا مذكورا في هذا الوجود ؟ بعد أن لم يكن له ذكر ولا وجود:(هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا ؟)..
تتلوها لمسة أخرى عن حقيقة أصله ونشأته، وحكمة الله في خلقه، وتزويده بطاقاته ومداركه:(إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا)..
ولمسة ثالثة عن هدايته إلى الطريق، وعونه على الهدى، وتركه بعد ذلك لمصيره الذي يختاره:(إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا)..


الصفحة التالية
Icon