لأن من وفى بما أوجبه هو على نفسه كان بما أوجبه الله عليه أوفى، وهذا التفسير في غاية الحسن وثانيها : المراد بالنذر ههنا كل ما وجب عليه سواء وجب بإيجاب الله تعالى ابتداء أو بأن أوجبه المكلف على نفسه فيدخل فيه الإيمان وجميع الطاعات، وذلك لأن النذر معناه الإيجاب وثالثها : قال الكلبي : المراد من النذر العهد والعقد، ونظيره قوله تعالى :﴿أَوْفُواْ بِعَهْدِى أُوفِ بِعَهْدِكُمْ﴾ [ البقرة : ٤٠ ] فسمى فرائضه عهداً، وقال :﴿أَوْفُواْ بالعقود﴾ [ المائدة : ١ ] سماها عقوداً لأنهم عقدوها على أنفسهم باعتقادهم الإيمان.
المسألة الثانية :
هذه الآية دالة على وجوب الوفاء بالنذر، لأنه تعالى عقبه بيخافون يوماً وهذا يقتضي أنهم إنما وفوا بالنذر خوفاً من شر ذلك اليوم، والخوف من شر ذلك اليوم لا يتحقق إلا إذا كان الوفاء به واجباً، وتأكد هذا بقوله تعالى :﴿وَلاَ تَنقُضُواْ الإيمان﴾ بعد توكيدها [ النحل : ٩١ ] وبقوله :﴿ثُمَّ لْيَقْضُواْ تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ﴾ [ الحج : ٢٩ ] فيحتمل ليوفوا أعمال نسكهم التي ألزموها أنفسهم.
المسألة الثالثة :
قال الفراء : وجماعة من أرباب المعاني.
كان في قوله :﴿كَانَ مِزَاجُهَا كافورا﴾ [ الإنسان : ٥ ] زائدة وأما ههنا فكان محذوفة، والتقدير كانوا يوفون بالنذر.
ولقائل أن يقول : إنا بينا أن كان في قوله :﴿كَانَ مِزَاجُهَا﴾ [ الإنسان : ٥ ] ليست بزائدة، وأما في هذه الآية فلا حاجة إلى إضمارها، وذلك لأنه تعالى ذكر في الدنيا أن الأبرار يشربون أي سيشربون، فإن لفظ المضارع مشترك بين الحال والاستقبال، ثم قال : السبب في ذلك الثواب الذي سيجدونه أنهم الآن يوفون بالنذر.
النوع الثاني : من أعمال الأبرار التي حكاها الله تعالى عنهم قوله تعالى :﴿ويخافون يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً ﴾.


الصفحة التالية
Icon