وقرأ عبيد ابن عمير والشَّعْبي وابن سيرين "قُدِّروها" بضم القاف وكسر الدال ؛ أي جعللت لهم على قدر إرادتهم.
وذكر هذه القراءة المهدويّ عن عليّ وابن عباس رضي الله عنهما ؛ وقال : ومن قرأ "قُدِّرُوهَا" فهو راجع إلى معنى القراءة الأخرى، وكأنّ الأصل قُدِّروا عليها فحذف الجر ؛ والمعنى قُدِّرت عليهم ؛ وأنشد سيبويه :
آلَيْتَ حَبَّ العِراقِ الدّهْرَ آكُلُهُ...
والْحَبُّ يأكلُه في القَرْيةِ السُّوسُ
وذهب إلى أن المعنى على حَبِّ العراق.
وقيل : هذا التقدير هو أن الأقداح تطير فتغترف بمقدار شهوة الشارب ؛ وذلك قوله تعالى :﴿ قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً ﴾ أي لا يفضل عن الرِّيِّ ولا ينقص منه، فقد أُلْهِمت الأقداحُ معرفةَ مقدار رِيّ المشتهى حتى تغترف بذلك المقدار.
ذكر هذا القول الترمذيّ الحكيم في "نوادر الأصول".
قوله تعالى :﴿ وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً ﴾ وهي الخمر في الإناء.
﴿ كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً ﴾ "كَانَ" صلة ؛ أي مزاجها زنجبيل، أو كان في حكم الله زنجبيلاً.
وكانت العرب تستلذ من الشراب ما يُمزج بالزنجبيل لِطيب رائحتِه ؛ لأنه يَحْذُو اللسان، ويهضم المأكول، فرغبوا في نعيم الآخرة بما اعتقدوه نهاية النَّعمة والطيب.
وقال المسيَّب بن عَلَس يصف ثَغْر المرأة :
وكَأنَّ طَعْمَ الزنجبِيلِ بِهِ...
إِذْ ذُقْتَهُ وَسَلاَفَةَ الخَمْرِ
ويروي : الكَرْم.
وقال آخر :
كَأَنَّ جَنِيًّا مِن الزَّنْجَبِي...
لِ بَاتَ بِفِيَها وأرْياً مشُوراً
ونحوه قول الأعشى :
كَأَنَّ القَرَنْفُلَ والزَّنْجَبِي...
لَ بَاتَا بِفيَها وأرياً مَشُوراً
وقال مجاهد : الزنجبيل اسم للعين التي منها مزاج شراب الأبرار.
وكذا قال قتادة : والزّنجبيل اسم العين التي يشرب بها المقربون صِرفاً وتمزج لسائر أهل الجنة.
وقيل : هي عين في الجنة يوجد فيها طعم الزنجبيل.
وقيل : إنّ فيه معنى الشراب الممزوج بالزنجبيل.