﴿ إِنَّ الأبرار ﴾ شروعٌ في بيان حسنِ حالِ الشاكرينَ إثرَ بيانِ سوءِ حالِ الكافرينَ وإيرادُهم بعنوانِ البِرِّ للإشعارِ بمَا استحقُّوا بهِ ما نالُوه من الكرامةِ السنيةِ. والأبرارُ جمعُ بَرَ أو بارَ كربَ وأربابٍ وشاهدٍ وأشهادٍ. قيلَ : هُو من يبرُّ خالقَهُ أي يطيعُهُ وقيلَ : من يمتثلُ بأمرِه تعالى وقيلَ : من يؤدِّي حقَّ الله تعالى ويوفِّي بالنذرِ، وعنِ الحسنِ البرُّ منْ لا يُؤذِي الذرَّ ﴿ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ ﴾ هي الزجاجةُ إذا كانتْ فيها خمرٌ وتُطلقُ على نفسِ الخمرِ أيضاً فمِنْ على الأولِ ابتدائيةٌ وعلى الثانِي تبعيضيةٌ أو بيانيةٌ ﴿ كَانَ مِزَاجُهَا ﴾ أي ما تمزجُ به ﴿ كافورا ﴾ أي ماءَ كافورٍ وهو اسمُ عينٍ في الجنَّةِ ماؤُها في بياضِ الكافورِ ورائحتِه وبردِه. والجملةُ صفةُ كأسٍ. وقولُه تعالَى :﴿ عَيْناً ﴾ بدلٌ من كافُوراً وعنْ قتادةَ : تمزجُ لهم بالكافورِ وتختمُ لهم بالمسكِ، وقيلَ : تخلقُ فيها رائحةُ الكافورِ وبياضُه وبردُه فكأنَّها مُزجتْ بالكافورِ، فعيناً على هذينِ القولينِ بدلٌ منْ محلِّ ( منْ كأسٍ ) على تقديرِ مضافٍ أي يشربونَ خمراً خمرَ عينٍ أو نَصبٌ على الاختصاصِ. وقولُه تعالى :﴿ يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ الله ﴾ صفةُ عيناً أي يشربونَ بها الخمرَ لكونِها ممزوجةً بهَا وقيل : ضُمِّن يشربُ مَعْنى يلتذُّ وقيل : الباءُ بمَعْنى مِنْ وقيلَ : زائدةٌ ويعضدُه قراءةُ ابنِ أبِي عبلةَ يشربُها عبادُ الله وقالَ : الضميرُ للكأسِ والمَعْنى يشربونَ العينَ بتلكَ الكأسِ ﴿ يُفَجّرُونَهَا تَفْجِيراً ﴾ أي يُجرونها حيثما شاؤوا من منازلِهم إجراءً سهلاً لا يمتنعُ عليهم بَلْ يَجْري جرياً بقوة واندفاغٍ والجملةُ صفةٌ أُخرى لعيناً.
وقولُه تعالى :﴿ يُوفُونَ بالنذر ﴾


الصفحة التالية
Icon