و من مروءة ابن عمه عبد اللّه بن جعفر أنه أسلف الزبير الف درهم، فلما توفي الزبير قال ابنه عبد اللّه له اني أجد في كتب أبي أن له عليك الف الف درهم قال هو صادق فاقبضها إن شئت، ثم لقيه بعد ذلك، فقال يا أبا جعفر اني واهم المال لك على أبي، قال فهو له، فقال لا أريد ذلك، قال فاختر إن شئت فهو له، وإن كرهت ذلك فلك فيه نظرة ما شئت، فانظروا أيها النّاس أين هؤلاء الكرام ألا يوجد من يتأسى بهم فينال الثناء من النّاس في الدّنيا والثواب من اللّه في الآخرة، ولكن النّاس ويا للأسف حرصوا على الدّنيا بحبّهم لحطامها الذي يسهل لهم كلّ شيء كما قيل :
وإذا رأيت صعوبة في مطلب فاحمل صعوبته على الدّينار
وابعثه فيما تشتهيه فإنه حجر يلين قوة الأحجار
فخير للناس من أن يجمعوه ويتركوه فيحاسبوا عليه أن يصرفوه في طرق الخير، وينالوا ثوابه، اللهم وفقنا لما فيه خيرنا وفلاحنا.
قال تعالى "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا" (٢٣) كثيرا، المرة بعد المرة لأن التشديد يفيد التكثير والتضعيف، إذ أنزل آية آية، وخمس خمس، وسورة سورة، كما اقتضته حكمة اللّه.
وفي هذه الآية ردّ على الكافرين والمنافقين القائلين إنه سحر وكهانة وشعر واختلاق وتعلم وخرافات "فَاصْبِرْ" يا حبيبي على أذى قومك وتحمل ثقلهم، فقد آن أن يأتيك الفرج العام والنّصر المبين، فانتظر "لِحُكْمِ رَبِّكَ" بهذا إلى أن يأتي الوقت المقدر للفتح العظيم الذي وعدناك به "وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً" (٢٦) وإنما وصمهم بهاتين الخصلتين لأنهم أحد رجلين : إما كثير الإثم كأهل الكتابين أو مشرك كأهل مكة وحلفاهم من العرب، وإن كلا منهم يدعو إلى ما هو عليه.


الصفحة التالية
Icon