وهذا لا يقتضي أن يقال العبد : لا يشاء إلا ما قد شاءه الله على الإطلاق، إذ المراد بذلك الأمر المخصوص الذي قد ثبت أنه تعالى قد أراده وشاءه.
واعلم أن هذا الكلام الذي ذكره القاضي لا تعلق له بالاستدلال على الوجه الذي ذكرناه، وأيضاً فحاصل ما ذكره القاضي تخصيص هذا العام بالصورة التي مر ذكرها فيما قبل هذه الآية، وذلك ضعيف، لأن خصوص ما قبل الآية لا يقتضي تخصيص هذا العام به.
لاحتمال أن يكون الحكم في هذه الآية وارداً بحيث يعم تلك الصورة وسائر الصور، بقي في الآية سؤال يتعلق بالإعراب، وهو أن يقال : ما محل ﴿أن يشاء الله﴾ ؟ وجوابه النصب على الظرف، وأصله إلا وقت مشيئة الله، وكذلك قراءة ابن مسعود :"إلا ما شاء الله" لأن ما مع الفعل كأن معه، وقرىء أيضاً يشاءون بالياء.
ثم قال تعالى :﴿إِنَّ الله كَانَ عَلِيماً حَكِيماً﴾ أي عليماً بأحوالهم وما يكون منهم حيث خلقهم مع علمه بهم.
ثم ختم السورة فقال :
يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (٣١)
اعلم أن خاتمة هذه السورة عجيبة، وذلك لأن قوله :﴿وَمَا تَشَاءونَ إِلاَّ أَن يَشَاء الله﴾ [ الإنسان : ٣٠ ] يدل على أن جميع ما يصدر عن العبد فبمشيئة الله، وقوله :﴿يُدْخِلُ مَن يَشَاء فِى رَحْمَتِهِ والظالمين أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً﴾ يدل على أن دخول الجنة والنار ليس إلا بمشيئة الله، فخرج من آخر هذه السورة إلا الله وما هو من الله، وذلك هو التوحيد المطلق الذي هو آخر سير الصديقين ومنتهى معارجهم في أفلاك المعارف الإلهية، وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى :