وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ ﴾
بيّن مَن الذي يطوف عليهم بالآنية ؛ أي ويخدمهم ولدان مُخلَّدون، فإنهم أخفُّ في الخدمة.
ثم قال :﴿ مُّخَلَّدُونَ ﴾ أي باقون على ما هم عليه من الشَّباب والغَضَاضة والحُسْن، لا يَهْرَمون ولا يتغيّرون، ويكونون على سنّ واحدة على مَر الأزمنة.
وقيل : مُخلَّدون لا يموتون.
وقيل : مُسوَّرون مُقَّرطون ؛ أي مُحلَّون والتخليد التحلية.
وقد تقدم هذا.
﴿ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً ﴾ أي ظننتهم من حسنهم وكثرتهم وصفاء ألوانهم : لؤلؤاً مفرقاً في عَرْصة المجلس، واللؤلؤ إذا نُثِر على بساط كان أحسن منه منظوماً.
وعن المأمون أنه ليلة زُفَّت إليه بُوران بنت الحسن بن سهل، وهو على بساط منسوج من ذهب، وقد نَثَرت عليه نساءُ دار الخليفة اللؤلؤَ، فنظر إليه منثوراً على ذلك البساط فاستحسن المنظر وقال : للَّهِ دَرُّ أبي نُواس كأنه أبصر هذا حيث يقول :
كأنَّ صُغْرى وكُبْرىَ من فَقَاقِعها...
حَصْبَاءُ دَرٍّ على أرضٍ مِنَ الذَّهَبِ
وقيل : إنما شبههم بالمنثور ؛ لأنهم سراع في الخدمة، بخلاف الحور العين إذ شبههنّ باللؤلؤ المكنون المخزون ؛ لأنهنّ لا يُمتهنَّ بالخدمة.
قوله تعالى :﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً ﴾ "ثَمَّ" : ظرف مكان أي هناك في الجنة، والعامل في "ثَمَّ" معنى "رَأَيْتَ" أي وإذا رأيت ببصرك "ثَمَّ".
وقال الفرّاء : في الكلام "ما" مضمرة ؛ أي وإذا رأيت ما ثَمّ ؛ كقوله تعالى :﴿ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ ﴾ [ الأنعام : ٩٤ ] أي ما بينكم.
وقال الزجاج :"ما" موصولة ب"ثم" على ما ذكره الفرّاء، ولا يجوز إسقاط الموصول وترك الصّلة، ولكن "رَأَيْتَ" يتعدّى في المعنى إلى "ثَمَّ" والمعنى : إذا رأيت ببصرك "ثَمَّ" ويعني ب "ثَمَّ" الجنة، وقد ذكر الفرّاء هذا أيضاً.


الصفحة التالية
Icon