واعلم أنه تعالى لما خاطب رسوله بالتعظيم والنهي والأمر عدل إلى شرح أحوال الكفار والمتمردين، فقال تعالى :
إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا (٢٧)
والمراد أن الذي حمل هؤلاء الكفار على الكفر، وترك الالتفات والإعراض عما ينفعهم في الآخرة ليس هو الشبهة حتى ينتفعوا بالدلائل المذكورة في أول هذه السورة، بل الشهوة والمحبة لهذه اللذات العاجلة والراحات الدينية، وفي الآية سؤالان :
السؤال الأول : لم قال :﴿وراءهم﴾ ولم يقل : قدامهم ؟ الجواب : من وجوه أحدها : لما لم يلتفتوا إليه، وأعرضوا عنه فكأنهم جعلوه وراء ظهورهم وثانيها : المراد ويذرون وراءهم مصالح يوم ثقيل فأسقط المضاف وثالثها : أن تستعمل بمعنى قدام كقوله :﴿مِّن وَرَائِهِ جَهَنَّمُ﴾ [ إبراهيم : ١٦ ] ﴿وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ﴾ [ الكهف : ٧٩ ].
السؤال الثاني : ما السبب في وصف يوم القيامة بأنه يوم ثقيل ؟ الجواب : استعير الثقل لشدته وهوله، من الشيء الثقيل الذي يتعب حامله ونحوه ﴿ثَقُلَتْ فِى السموات والأرض﴾ [ الأعراف : ١٨٧ ].
ثم إنه تعالى لما ذكر أن الداعي لهم إلى هذا الكفر حب العاجل، قال :
نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا (٢٨)


الصفحة التالية
Icon