فإذا كان الكفر حاصلاً في هؤلاء المتأخرين، فلا بد وأن يهلكهم أيضاً ثم قال :﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ﴾ كأنه يقول، أما الدنيا فحاصلهم الهلاك، وأما الآخرة فالعذاب الشديد وإليه الإشارة بقوله :﴿خَسِرَ الدنيا والآخرة ذلك هُوَ الخسران المبين﴾ [ الحج : ١١ ] وفي الآية سؤالان الأول : ما المراد من الأولين والآخرين ؟ الجواب : فيه قولان : الأول : أنه أهلك الأولين من قوم نوح وعاد وثمود ثم أتبعهم الآخرين قوم شعيب ولوط وموسى كذلك نفعل بالمجرمين وهم كفار قريش، وهذا القول ضعيف لأن قوله :﴿نُتْبِعُهُمُ الأخرين﴾ بلفظ المضارع فهو يتناول الحال والاستقبال ولا يتناول الماضي ألبتة القول الثاني : أن المراد بالأولين جميع الكفار الذين كانوا قبل محمد ﷺ، وقوله :﴿ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الأخرين﴾ على الاستئناف على معنى سنفعل ذلك ونتبع الأول الآخر، ويدل على الاستئناف قراءة عبد الله ﴿سنتبعهم﴾، فإن قيل : قرأ الأعرج ثم نتبعهم بالجزم وذلك يدل على الاشتراك في ألم، وحينئذ يكون المراد به الماضي لا المستقبل، قلنا : القراءة الثابتة بالتواتر نتبعهم بحركة العين، وذلك يقتضي المستقبل، فلو اقتضت القراءة بالجزم أن يكون المراد هو الماضي لوقع التنافي بين القراءتين، وإنه غير جائز.
فعلمنا أن تسكين العين ليس للجزم للتخفيف كما روي في بيت امرىء القيس :
واليوم أشرب غير مستحقب.. ثم إنه تعالى لما بين أنه يفعل بهؤلاء المتأخرين مثل ما يفعل بأولئك المتقدمين قال :﴿كَذَلِكَ نَفْعَلُ بالمجرمين﴾ أي هذا الإهلاك إنما نفعله بهم لكونهم مجرمين، فلا جرم في جميع المجرمين، لأن عموم العلة يقتضي عموم الحكم.
ثم قال تعالى :﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ﴾ أي هؤلاء وإن أهلكوا وعذبوا في الدنيا، فالمصيبة العظمى والطامة الكبرى معدة لهم يوم القيامة.