وللقرآن في هذا الباب طريقة خاصة في اختيار إطار للمشاهد في بعض السور من لون هذه المشاهد وقوتها.. وهذا نموذج منها، كما اختار إطارا من الضحى والليل إذا سجى لمشاهد الرعاية والحنان والإيواء في "سورة الضحى " وإطارا من العاديات الضابحة الصاخبة المثيرة للغبار لمشاهد بعثرة القبور وتحصيل ما في الصدور في سورة "والعاديات".. وغيرها كثير.
وكل مقطع من مقاطع السورة العشرة بعد هذا المطلع، يمثل جولة أو رحلة في عالم، تتحول السورة معه إلى مساحات عريضة من التأملات والمشاعر والخواطر والتأثرات والاستجابات.. أعرض بكثير جدا من مساحة العبارات والكلمات، وكأنما هذه سهام تشير إلى عوالم شتى !
والجولة الأولى تقع في مشاهد يوم الفصل. وهي تصور الانقلابات الكونية الهائلة في السماء والأرض، وهي الموعد الذي تنتهي إليه الرسل بحسابها مع البشر:(فإذا النجوم طمست. وإذا السماء فرجت. وإذا الجبال نسفت. وإذا الرسل أقتت. لأي يوم أجلت ؟ ليوم الفصل. وما أدراك ما يوم الفصل ؟ ويل يومئذ للمكذبين !).
والجولة الثانية مع مصارع الغابرين، وما تشير إليه من سنن الله في المكذبين:(ألم نهلك الأولين ؟ ثم نتبعهم الآخرين ؟ كذلك نفعل بالمجرمين. ويل يومئذ للمكذبين !)..
والجولة الثالثة مع النشأة الأولى وما توحي به من تقدير وتدبير:(ألم نخلقكم من ماء مهين ؟ فجعلناه في قرار مكين ؟ إلى قدر معلوم ؟ فقدرنا فنعم القادرون. ويل يومئذ للمكذبين !)..
والجولة الرابعة في الأرض التي تضم أبناءها إليها أحياء وأمواتا، وقد جهزت لهم بالاستقرار والماء المحيي:(ألم نجعل الأرض كفاتا ؟ أحياء وأمواتا، وجعلنا فيها رواسي شامخات وأسقيناكم ماء فراتا ؟ ويل يومئذ للمكذبين !)..


الصفحة التالية
Icon