أن من سمع قوله :﴿إِنَّهَا تَرْمِى بِشَرَرٍ كالقصر﴾ تسارع ذهنه إلى أن المراد إثبات عظم تلك الشرارات، ثم إذا سمع بعد ذلك قوله :﴿كَأَنَّهُ جمالة صُفْرٌ﴾ تسارع ذهنه إلى أن المراد كثرة تلك الشرارات وتتابعها ولونها.
أما من سمع أن الشرار كالطراف يبقى ذهنه متوقفاً في أن المقصود بالتشبيه إثبات العظم أو إثبات اللون، فالتشبيه بالطراف كالمجمل، والتشبيه بالقصر وبالجمالات الصفر، كالبيان المفصل المكرر المؤكد.
ولما كان المقصود من هذا البيان هو التهويل والتخويف، فكلما كان بيان وجوه العذاب أتم وأبين كان الخوف أشد، فثبت أن هذا التشبيه أتم.
التاسع : أنه قال في أول الآية :﴿انطلقوا إلى ظِلّ﴾ والإنسان إنما يكون طيب العيش وقت الانطلاق، والذهاب إذا كان راكباً، وإنما يجد الظل الطيب إذا كان في قصره، فوقع تشبيه الشرارة بالقصر والجمالات، كأنه قيل له : مركوبك هذه الجمالات، وظلك في مثل هذا القصر، وهذا يجري مجرى التهكم بهم، وهذا المعنى غير حاصل في الطراف العاشر : من المعلوم أن تطاير القصر إلى الهواء أدخل في التعجب من تطاير الخيمة، لأن القصر يكون مركباً من اللبن والحجر والخشب.