السؤال الثاني : قوله :﴿وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ﴾ يوهم أن لهم عذراً وقد منعوا من ذكره، وهذا لا يليق بالحكيم والجواب : أنه ليس لهم في الحقيقة عذر ولكن ربما تخيلوا خيالاً فاسداً أن لهم فيه عذراً، فهم لا يؤذن لهم في ذلك ذكر العذر الفاسد، ولعل ذلك العذر الفاسد هو أن يقول : لما كان الكل بقضائك وعلمك ومشيئتك وخلقك فلم تعذبني عليه، فإن هذا عذر فاسد إذ ليس لأحد أن يمنع المالك عن التصرف في ملكه كيف شاء وأراد، فإن قيل : أليس أنه قال :﴿رُّسُلاً مُّبَشّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى الله حُجَّةٌ بَعْدَ الرسل﴾ [ النساء : ١٦٥ ] وقال :﴿وَلَوْ أَنَّا أهلكناهم بِعَذَابٍ مّن قَبْلِهِ لَقَالُواْ رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً﴾ [ طه : ١٣٤ ] والمقصود من كل ذلك أن لا يبقى في قلبه، أن له عذراً، فهب أن عذره في موقف القيامة فاسد فلم لا يؤذن له في ذكره حتى يذكره، ثم يبين له فساده ؟ قلنا : لما تقدم الأعذار والإنذار في الدنيا بدليل قوله :﴿فالملقيات ذِكْراً، عُذْراً أَوْ نُذْراً﴾ [ المرسلات : ٦ ] كان إعادتها غير مفيدة.
السؤال الثالث : لم لم يقل : ولا يؤذن لهم فيعتذرون ؟ كما قال :﴿لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُواْ﴾ [ فاطر : ٣٦ ] الجواب : الفاء ههنا للنسق فقط، ولا يفيد كونه جزاء ألبتة ومثله ﴿مَّن ذَا الذى يُقْرِضُ الله قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ﴾ [ البقرة : ٢٤٥ ] بالرفع والنصب، وإنما رفع يعتذرون بالعطف لأنه لو نصب لكان ذلك يوهم أنهم ما يعتذرون لأنهم لم يؤذنوا في الاعتذار، وذلك يوهم أن لهم فيه عذراً منعوا عن ذكره وهو غير جائز.


الصفحة التالية
Icon