تكفتهم أحياء على ظهرها فى بيوتهم ومنازلهم، وتكفتهم أمواتاً فى بطنها، أى: تحفظهم وتحرزهم. ونصبك الأحياءَ والأموات بوقوع الكفات عليه، كأنك قلت: ألم نجعل الأرض كفاتَ أحياءٍ، وأمواتٍ، فإذا نونت نصبت ـ كما يقرأ من قرأ: ﴿أَوْ إِطْعَامٌ فِى يَوْمٍ ذِى مَسْغَبَةٍ، يَتِيماً﴾، وكما يقرأ: ﴿فَجَزَاءٌ مِثْلَ ما قتل﴾، ومثله: ﴿فِدْيَةٌ طعامَ مِسْكِينٍ﴾ [/ب].
﴿ انطَلِقُواْ إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاَثِ شُعَبٍ ﴾
وقوله عز وجل: ﴿إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاَثِ شُعَبٍ...﴾.
يقال: إنه يخرج لسانٌ من النار، فيحيط بهم كالسرادق، ثم يتشعب منه ثلاث شعب من دخان فيظللهم، حتى يفرغ من حسابهم إلى النار.
﴿ إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ ﴾
وقوله عز وجل: ﴿كَالْقَصْرِ...﴾
يريد: القصر من قصور مياه العرب، وتوحيده وجمعه عربيان، قال الله تبارك وتعالى: ﴿سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ ويُوَلُّون الدُّبَر﴾، معناه: الأدبار، وكأن القرآن نزل على ما يَستحب العرب من موافقة المقاطع، ألا ترى أنه قال: ﴿إِلَى شَىْءٍ نُّكُرٍ﴾، فثقل فى (اقْتَربَت) ؛ لأن آياتها مثقلة، قال: ﴿فَحاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وعذَّبناها عَذاباً نُّكْراً﴾. فاجتمع القراء على تثقيل الأول، وتخفيف هذا، ومثله: ﴿الشَّمْسُ والْقَمَرُ بحُسْبَانٍ﴾، وقال: ﴿جَزَاءً مِّنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً﴾ فأجريت رءُوس الآيات على هذه المجارى، وهو أكثر من أن يضبطه الكتاب، ولكنك تكتفى بهذا منه إن شاءَ الله.
ويقال: كالقَصَر كأصول النخل، ولست أشتهى ذلك ؛ لأنها مع آيات مخففة، ومع أن الْجَمَلَ إنما شُبه بالقصر، ألا ترى قوله جل وعز: ﴿كَأَنَّهُ جِمالاتٌ صُفْر﴾، والصُّفر: سُود الإبل، لا ترى أسوَدَ من الإبل إلاّ وهو مشربٌ بصفرة، فلذلك سمتِ العربُ سودَ الإبل: صفرا، كما سمّوا الظبَّاء: أُدْماً لما يعلوها من الظلمة فى بياضها، وقد اختلف القراء فى "جمالات" فقرأ عبدالله بن مسعود وأصحابه: "جمالةٌ".


الصفحة التالية
Icon