فصلّت في ج ٢، ففيه زجر عظيم لانهماكهم في الدنيا وانكبابهم على شهواتهم وإعراضهم عن الآخرة ونبذها وراءهم "وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ٤٧" بهذه النعم الدائمة التي غرتهم الدنيا الفانية بزخارفها البالية فأبعدتهم عنها "وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا" للّه واخضعوا لعظمته وتواضعوا لجلاله "لا يَرْكَعُونَ ٤٨" أنفة واستكبارا.
مطلب الآية المدنية في هذه السورة :
هذا على القول بأن هذه الآية مكية، وعلى القول بأنها مدنية فيكون المراد الركوع في الصلاة الذي هو جزء منها، أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن مسعود أن هذه السورة نزلت في غار بمنى وأن هذه الآية نزلت معها دفعة واحدة فإذا صح هذا فتكون مكية ويؤول الركوع فيها على الخشوع لغة، وإذا أريد وقوعه في الركعتين التي فرضت عليه قبل فرض الصلاة في الغداة والعشي فيؤول على معناه الشرعي ومن قال انها مدنية احتج بلفظ الركوع لأن نزولها قبل فرض الصلاة "وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ٤٩" بأنبيائهم الجاحدين المنكرين آيات اللّه الباهرة وهؤلاء إذا لم يؤمنوا بهذا الكتاب المنزل من لدنا على نبيهم الجامع لما في الدنيا والآخرة من خير وشر وقد كررت جملة "فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ" عشر مرات كل لمعنى كما علمت "فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ" بعد هذا القرآن المشتمل على سير كتب الأولين كلهم "يُؤْمِنُونَ ٥٠" أي لا يؤمنون البتة.
آمنا باللّه وحده واتبعنا ما جاءنا به عبده وهذا واللّه أعلم، واستغفر اللّه، ولا حول ولا قوة إلا باللّه العلي العظيم، وصلى اللّه على سيدنا محمد وآله وأصحابه والتابعين أجمعين. أ هـ ﴿بيان المعاني حـ ١ صـ ٢٥٠ ـ ٢٥٦﴾


الصفحة التالية
Icon