إن هذا الكون المحبوك سيهى نظامه ويتمزق شمله، وتبدأ إعادة تشكيله من جديد على نحو آخر. فى أيام الدنيا. كان الأسافل يرتفعون والأنبياء يهانون ويزعجون، أما فى الآخرة فلا تكذيب لصادق ولا تكريم لكذوب. ونلحظ فى هذه السورة تكرار قوله تعالى " ويل يومئذ للمكذبين ". لقد تكررت عشر مرات، أحيانا تجىء بعد نذير إلهى، أو بعد آية كونية أو بعد مرحلة تاريخية أو بعد نصيحة إنسانية. وقد بدأ إيراد لآية بعد تهديد للمكذبين وتذكير بما لحقهم فى الدنيا من نكال، إن ما أصاب الأولين لن يفوت الآخرين! ثم يجىء هذا الاستفهام التقريرى عن الخالق الكبير. إنه سبحانه الذى أنشأنا من عدم نسبى أو من عدم مطلق! كيف بدأت هذه النشأة؟ إنها لم تبدأ فى طريق مفروش بالورد تحفه المعادن النفيسة! إنها بدأت من ماء مهين يمشى مع الفضلات البشرية فى مجارى واحدة!! " ألم نخلقكم من ماء مهين * فجعلناه في قرار مكين * إلى قدر معلوم ". فى هذا المستقر يتكون البشر، العبقرى منهم والبليد، ويولد إنسان عجيب المواهب رائع التقويم. من أشرف على إبداعه؟ إن آله الأقربين يرقبون ما يحدث وحسب! ولذلك يقول الله " فقدرنا فنعم القادرون ". أجل نعم المقدر، وفى الصافات يقول المولى عن نفسه " ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون ". أجل نعم المجيب. إن هذا المديح للذات الأقدس بداية إحصاء لأمجاد إلهية لا تنتهى يستحضرها المسلم فى الصلوات المكتوبة وهو يصيح بتكبير الله قائما قاعدا راكعا ساجدا.. ثم يقول الله جل شأنه " ألم نجعل الأرض كفاتا * أحياء وأمواتا ". الكفت الضم والجمع. والآيات تشير إلى الجاذبية الأرضية التى تربط الأحياء والأموات بالأرض، وتلصق كل شىء بها لا تسمح له بفكاك! إن غزاة الجو - وهم فى الطريق إلى القمر - نظروا إلى الأرض وهم على بعد مئات الأميال منها، ثم تساءلوا من يمسكها فى مكانها؟ وأتساءل معهم من يمسك الماء على سطحها، وهو أربعة أخماس الكرة؟ لماذا لم ينسكب