القول الثاني : أن المراد من هذه الكلمات الخمس بأسرها الرياح، أقسم الله برياح عذاب أرسلها عرفاً، أي متتابعة كشعر العرف، كما قال :﴿يُرْسِلُ الرياح﴾ [ الروم : ٤٦ ] ﴿وَأَرْسَلْنَا الرياح﴾ [ الحجر : ٢٢ ] ثم إنها تشتد حتى تصير عواصف ورياح رحمة نشرت السحاب في الجو، كما قال :﴿وَهُوَ الذى يُرْسِلُ الرياح بُشْرًاَ بَيْنَ يَدَىْ رَحْمَتِهِ﴾ [ النمل : ٦٣ ] وقال :﴿الله الذى يُرْسِلُ الرياح فَتُثِيرُ سَحَاباً فَيَبْسُطُهُ فِى السماء﴾ [ الروم : ٤٨ ] ويجوز أيضاً أن يقال : الرياح تعين النبات والزرع والشجر على النشور والإنبات، وذلك لأنها تلقح فيبرز النبات بذلك، على ما قال تعالى :﴿وَأَرْسَلْنَا الرياح لَوَاقِحَ﴾ [ الحجر : ٢٢ ] فبهذا الطريق تكون الرياح ناشرة للنبات وفي كون الرياح فارقة وجوه أحدها : أن الرياح تفرق بعض أجزاء السحاب عن بعض وثانيها : أن الله تعالى خرب بعض القرى بتسليط الرياح عليها، كما قال :﴿وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُواْ بِرِيحٍ صَرْصَرٍ﴾ [ الحاقة : ٦ ] وذلك سبب لظهور الفرق بين أولياء الله وأعداء الله وثالثها : أن عند حدوث الرياح المختلفة، وترتيب الآثار العجيبة عليها من تموج السحاب وتخريب الديار تصير الخلق مضطرين إلى الرجوع إلى الله والتضرع على باب رحمته، فيحصل الفرق بين المقر والمنكر والموحد والملحد، وقوله :﴿فالملقيات ذِكْراً﴾ معناه أن العاقل إذا شاهد هبوب الرياح التي تقلع القلاع، وتهدم الصخور والجبال، وترفع الأمواج تمسك بذكر الله والتجأ إلى إعانة الله، فصارت تلك الرياح كأنها ألقت الذكر والإيمان والعبودية في القلب، ولا شك أن هذه الإضافة تكون على سبيل المجاز من حيث إن الذكر حصل عند حدوث هذه.


الصفحة التالية
Icon