قال القفال : الوجه في دخول الفاء في بعض ما وقع به القسم، والواو في بعض مبني على الأصل، وهو أن عند أهل اللغة الفاء تقتضي الوصل والتعلق، فإذا قيل : قام زيد فذهب، فالمعنى أنه قام ليذهب فكان قيامه سبباً لذهابه ومتصلاً به، وإذا قيل : قام وذهب فهما خبران كل واحد منهما قائم بنفسه لا يتعلق بالآخر، ثم إن القفال لما مهد هذا الأصل فرع الكلام عليه في هذه الآية بوجوه لا يميل قلبي إليها، وأنا أفرع على هذا الأصل فأقول : أما من جعل الأولين صفتين لشيء والثلاثة الأخيرة صفات لشيء واحد، فالإشكال عنه زائل، وأما من جعل الكل صفات لشيء واحد، فنقول : إن حملناها على الملائكة، فالملائكة إذا أرسلت طارت سريعاً، وذلك الطيران هو العصف، فالعصف مرتب على الإرسال فلا جرم ذكر الفاء، أما النشر فلا يترتب على الإرسال، فإن الملائكة أول ما يبلغون الوحي إلى الرسل لا يصير في الحال ذلك الدين مشهوراً منتشراً، بل الخلق يؤذون الأنبياء في أول الأمر وينسبونهم إلى الكذب والسحر والجنون، فلا جرم لم يذكر الفاء التي تفيد بل ذكر الواو، بلى إذا حصل النشر ترتب عليه حصول الفرق بين الحق والباطل وظهور ذكر الحق على الألسنة فلا جرم ذكر هذين الأمرين بحرف الفاء، فكأنه والله أعلم قيل : يا محمد إني أرسلت الملك إليك بالوحي الذي هو عنوان كل سعادة، وفاتحة كل خير، ولكن لا تطمع في أن ننشر ذلك الأمر في الحالة، ولكن لا بد من الصبر وتحمل المشقة، ثم إذا جاء وقت النصرة أجعل دينك ظاهراً منتشراً في شرق العالم وغربه، وعند ذلك الانتشار يظهر الفرق فتصير الأديان الباطلة ضعيفة ساقطة، ودينك هو الدين الحق ظاهراً غالباً، وهنالك يظهر ذلك الله على الألسنة، وفي المحاريب وعلى المنابر ويصير العالم مملوأ من ذكر الله، فهذا إذا حملنا هذه الكلمات الخمس على الملائكة، ومن عرف هذا الوجه أمكنه ذكر ما شابهه في الرياح وسائر الوجوه، والله