وقال ابن عاشور :
﴿ وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا (١) ﴾
قسَم بِمخلوقات عظيمة دالّةٍ على عظيم علم الله تعالى وقدرته.
والمقصود من هذا القسم تأكيد الخبر، وفي تطويل القَسَم تشويقُ السامع لتلقي المقسم عليه.
فيجوز أن يَكون المراد بموصوفات هذه الصفات نوعاً واحداً، ويجوز أن يكون نوعين أو أكثر من المخلوقات العظيمة.
ومشى صاحب "الكشاف" على أن المقسم بها كلهم ملائكة.
ولم يختلف أهل التأويل أن ﴿ المُلْقِيات ذِكراً ﴾ للملائكة.
وقال الجمهور : العاصفات : الرياح ولم يحك الطبري فيه مخالفاً.
وقال القرطبي : قيل العاصفات : الملائكة.
و﴿ الفارقات ﴾ لم يحك الطبري إلاّ أنهم الملائكةُ أو الرسلُ.
وحكى القرطبي عن مجاهد : أنها الرياح.
وفيما عدا هذه من الصفات اختَلَف المتأوّلون فمنهم من حملوها على أنها الملائكة ومنهم من حمل على أنها الرياح.
ف ﴿ المرسَلات ﴾ قال ابن مسعود وأبو هريرة ومقاتل وأبو صالح والكلبي ومسروق : هي الملائكة.
وقال ابن عباس وقتادة : هي الرياح، ونقل هذا عن ابن مسعود أيضاً ولعله يجيز التأويلين وهو الأوفق بعطفها بالفاء.
و﴿ الناشرات ﴾ قال ابن عباس والضحاك وأبو صالح : الملائكة.
وقال ابن مسعود ومجاهد : الرياح وهو عن أبي صالح أيضاً.
ويتحصل من هذا أن الله أقسَم بجنسين من مخلوقاته العظيمة مثل قوله :﴿ والسماءِ ذات البروج واليوم الموعود ﴾ [ البروج : ١، ٢ ]، ومثله تكَرَّر في القرآن.
ويتجه في توزيعها أن الصفات التي عطفت بالفاء تابعة لجنس مَا عطفت هي عليه، والتي عطفت بالواو يترجح أنها صفاتُ جنس آخر.
فالأرجح أن المرسلات والعاصفات صفتان للرياح، وأن ما بعدها صفات للملائكة، والواو الثانية للعطف وليست حرف قَسَم.
ومناسبة الجمع بين هذين الجنسين في القسم أن كليهما من الموجودات العلوية لأن الأصل في العطف بالواو أن يكون المعطوف بها ذاتاً غير المعطوف عليه.