وقال أبو السعود فى الآيات السابقة :
﴿ أَلَمْ نَخْلُقكُّم ﴾
أي ألم نُقدرْكُم ﴿ مّن مَّاء مَّهِينٍ ﴾ أي من نُطفةٍ قذرةٍ مهينةٍ ﴿ فجعلناه فِى قَرَارٍ مَّكِينٍ ﴾ هو الرحمُ ﴿ إلى قَدَرٍ مَّعْلُومٍ ﴾ إلى مقدارٍ معلومٍ من الوقتِ قدَّرهُ الله تعالَى للولادةِ تسعةَ أشهرٍ، أو أقلَّ منها أو أكثرَ ﴿ فَقَدَرْنَا ﴾ أي فقدرناهُ وقد قُرِىءَ مُشدداً أو فقدرنا على ذلكَ على أنَّ المرادَ بالقُدرةِ ما يقارنُ وجودَ المقدورِ الفعلِ ﴿ فَنِعْمَ القادرون ﴾ أي نحنُ.
﴿ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ ﴾ بقدرتِنا على دلكَ أو على الإعادةِ ﴿ أَلَمْ نَجْعَلِ الأرض كِفَاتاً ﴾ الكِفاتُ اسمُ مَا يكْفِتُ أيْ يضمُّ ويجمعُ من كفتَ الشيءَ إذا ضمَّه وجمعَهُ كالضِّمامِ والجِماعِ لما يضمُّ ويجمعُ أي ألم نجعلْها كِفاتاً تكفتُ ﴿ أَحْيَاء ﴾ كثيرةً على ظهرها ﴿ وأمواتا ﴾ غيرَ محصورةٍ في بطنِها وقيلَ هُو مصدرٌ نُعِتَ به للمبالغةِ، وقيلَ جمعُ كافتٍ كصائمٍ وصيامٍ، أو كِفت وهو الوعاءُ أجرى على الأرض باعتبار بقاعها، وقيل : تنكيرُ أحياءً وأمواتاً لأنَّ أحياءَ الإنسِ وأمواتَهم بعضُ الأحياءِ والأمواتِ، وقيلَ : انتصابُهما على الحاليةِ من محذوفٍ أي كفاتاً تكفتكُم أحياءٌ وأمواتاً ﴿ وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِىَ ﴾ أي ثوابتَ ﴿ شامخات ﴾ طوالاً شواهقَ، ووصفُ جمعِ المذكِر بجمعِ المؤنثِ في غيرِ العقلاءِ مُطَّردٌ كداجنٍ ودواجنٍ وأشهرٌ معلوماتٌ وتنكيرُها للتفخيمِ أو للإشعارِ بأنَّ فيها ما لم يُعرفْ ﴿ وأسقيناكم مَّاء فُرَاتاً ﴾ بأنْ خلقنَا فيها أنهاراً ومنابعَ.