واعلم أن الثج قد يكون لازماً، وهو بمعنى الانصباب كما ذكرنا، وقد يكون متعدياً بمعنى الصب وفي الحديث " أفضل الحج العج والثج " أي رفع الصوت بالتلبية وصب دماء الهدى، وكان ابن عباس مثجاً أي يثج الكلام ثجاً في خطبته وقد فسروا الثجاج في هذه الآية على الوجهين، وقال الكلبي ومقاتل وقتادة الثجاج ههنا المتدفق المنصب، وقال الزجاج معناه الصباب كأنه يثج نفسه أي يصب.
وبالجملة فالمراد تتابع القطر حتى يكثر الماء فيعظم النفع به.
وفي الآية مسائل : المسألة الأولى :
كل شيء نبت من الأرض فإما أن لا يكون له ساق وإما أن يكون، فإن لم يكن له ساق فإما أن يكون له أكمام وهو الحب وإما أن لا يكون له أكمام وهو الحشيش وهو المراد ههنا بقوله :﴿ونباتاً﴾ وإلى هذين القسمين الإشارة بقوله تعالى :﴿كلوا وارعوا أنعامكم﴾ [ طه : ٥٤ ] وأما الذي له ساق فهو الشجر فإذا اجتمع منها شيء كثير سميت جنة، فثبت بالدليل العقلي انحصار ما ينبت في الأرض في هذه الأقسام الثلاثة، وإنما قدم الله تعالى الحب لأنه هو الأصل في الغذاء، وإنما ثنى بالنبات لاحتياج سائر الحيوانات إليه، وإنما أخر الجنات في الذكر لأن الحاجة إلى الفواكه ليست ضرورية.
المسألة الثانية :
اختلفوا في ألفافاً، فذكر صاحب "الكشاف" أنه لا واحد له كالأوزاع والأخياف، والأوزاع الجماعات المتفرقة والأخياف الجماعات المختلطة.
وكثير من اللغويين أثبتوا له واحداً، ثم اختلفوا فيه، فقال الأخفش والكسائي : واحدها لف بالكسر، وزاد الكسائي : لف بالضم، وأنكر المبرد الضم، وقال : بل واحدها لفاء.