فيجوز أن يكون اللباس محمولاً على معنى الاسم وهو المشهور في إطلاقه، أي ما يلبسه الإِنسان من الثياب فيكون وصف الليل به على تقدير كاف التشبيه على طريقة التشبيه البليغ، أي جعلنا الليل للإِنسان كاللباس له، فيجوز أن يكون وجه الشبه هو التغشية.
وتحته ثلاثة معانٍ:
أحدها : أن الليل ساتر للإِنسان كما يستره اللباس، فالإِنسان في الليل يختلي بشؤونه التي لا يرتكبها في النهار لأنه لا يحب أن تراها الأبصار، وفي ذلك تعريض بإبطال أصل من أصول الدهريين أن الليل رب الظّلمة وهو معتقد المجوس وهم الذين يعتقدون أن المخلوقات كلها مصنوعة من أصلين، أي إلهين : إله النور وهو صانع الخير، وإله الظلمة وهو صانع الشر.
ويقال لهم : الثنوية لأنهم أثبتوا إلهين إثنين، وهم فِرق مختلفة المذاهب في تقرير كيفية حدوث العالم عن ذيْنك الأصلين، وأشهر هذه الفرق فرقة تسمى المَانوية نسبة إلى رجل يقال له :( مانِي ) فارسي قبل الإسلام، وفرقة تسمى مزدكية نسبة إلى رجل يقال له :( مَزْدَك ) فارسي قبل الإسلام.
وقد أخذ أبو الطيب معنى هذا التعريض في قوله:
وكم لظلام الليل عندك من يد...
تُخَبِّر أن المانَوِيَّةَ تكذِبُ
المعنى الثاني : من معنيي وجه الشبه باللباس : أنه المشابهة في الرفق باللاَّبس والملاءمة لراحته، فلما كان الليل راحة للإِنسان وكان محيطاً بجميع حواسه وأعصابه شُبه باللباس في ذلك.
ونُسب مُجمل هذا المعنى إلى سعيد بن جبير والسُّدي وقتادة إذ فسروا ﴿ سباتاً ﴾ [ النبأ : ٩ ] سكَناً.
المعنى الثالث : أن وجه شبه باللباس هو الوقاية، فاللَّيل يقي الإِنسان من الأخطار والاعتداء عليه، فكان العرب لا يغير بعضهم على بعض في الليل وإنما تقع الغارة صباحاً ولذلك إذا غِير عليهم يصرخ الرجل بقومه بقوله : يا صَبَاحَاه.
ويقال : صَبَّحَهم العَدوُّ.