ورابعها : قوله تعالى :﴿وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا﴾ اعلم أن الله تعالى ذكر في مواضع من كتابه أحوال هذه الجبال على وجوه مختلفة، ويمكن الجمع بينها على الوجه الذي نقوله : وهو أن أول أحوالها الاندكاك وهو قوله :﴿وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة﴾ [ الحاقة : ١٤ ].
والحالة الثانية لها : أن تصير ﴿كالعهن المنفوش﴾ [ القارعة : ٥ ] وذكر الله تعالى ذلك في قوله :﴿يوم يكون الناس كالفراش المبثوث * وتكون الجبال العهن المنفوش﴾ [ القارعة : ٤، ٥ ] وقوله :﴿يوم تكون السماء كالمهل * وتكون الجبال كالعهن﴾ [ المعارج : ٨ ٩ ].
والحالة الثالثة : أن تصير كالهباء وذلك أن تتقطع وتتبدد بعد أن كانت كالعهن وهو قوله :﴿إذا رجت الأرض رجاً * وبست الجبال بساً * فكانت هباءاً منبثاً﴾ [ الواقعة : ٤ ٦ ].
والحالة الرابعة : أن تنسف لأنها مع الأحوال المتقدمة قارة في مواضعها والأرض تحتها غير بارزة فتنسف عنها بإرسال الرياح عليها وهو المراد من قوله :﴿فقل ينسفها ربي نسفاً﴾ [ طه : ١٠٥ ].
والحالة الخامسة : أن الرياح ترفعها عن وجه الأرض فتطيرها شعاعاً في الهواء كأنها غبار فمن نظر إليها من بعد حسبها لتكاثفها أجساماً جامدة وهي الحقيقة مارة إلى أن مرورها بسبب مرور الرياح بها ( صيرها ) مندكة متفتتة، وهي قوله :﴿تمر مر السحاب﴾ [ النحل : ٨٨ ] ثم بين أن تلك الحركة حصلت بقهره وتسخيره، فقال :﴿ويوم نسير الجبال﴾ [ الطور : ١٠ ] ﴿وترى الأرض بارزة﴾ [ الكهف : ٤٧ ].
الحالة السادسة : أن تصير سراباً، بمعنى لا شيء، فمن نظر إلى مواضعها لم يجد فيها شيئاً، كما أن من يرى السراب من بعد إذا جاء الموضع الذي كان يراه فيه لم يجده شيئاً، والله أعلم.
واعلم أن الأحوال المذكورة إلى ههنا هي : أحوال عامة، ومن ههنا يصف أهوال جهنم وأحوالها.
المسألة الأولى :


الصفحة التالية
Icon