وخامسها : أن الغاسق هو المظلوم قال تعالى :﴿ومن شر غاسق إذا وقب﴾ [ الفلق : ٣ ] فيكون الغساق شراباً أسود مكروهاً يستوحش كما يستوحش الشيء المظلم، إذا عرفت هذا فنقول إن فسرنا الغساق بالبارد كان التقدير : لا يذوقون فيها برداً إلا غساقاً ولا شراباً إلا حميماً، إلا أنهما جمعاً لأجل انتظام الآى، ومثله من الشعر قول امرىء القيس :
كأن قلوب الطير رطباً ويابساً.. لدي وكرها العناب والحشف البالي
والمعنى كأن قلوب الطير رطباً العناب ويابساً الحشف البالي.
أما إن فسرنا الغساق بالصديد أو بالنتن احتمل أن يكون الاستنثاء بالحمي والغساق راجعاً إلى البرد والشراب معاً، وأن يكون مختصاً بالشراب فقط.
أما الاحتمال الأول : فهو أن يكون التقدير لا يذوقون فيها شراباً إلا الحميم البالغ في الحميم والصديد المنتن.
وأما الاحتمال الثاني : فهو أن يكون التقدير لا يذوقون فيها شراباً إلا الحميم البالغ في السخونة أو الصديد المنتن والله أعلم بمراده، فإن قيل الصديد لا يشرب فكيف استثنى من الشراب ؟ قلنا : إنه مائع فأمكن أن يشرب في الجملة فإن ثبت أنه غير ممكن كان ذلك استثناء من غير الجنس ووجهه معلوم.
المسألة الخامسة :
قرأ حمزة والكسائي وعاصم من رواية حفص عنه غساقاً بالتشديد فكأنه فعال بمعنى سيال، وقرأ الباقون بالتخفيف مثل شراب والأول نعت والثاني اسم.