قال النبي ﷺ :" والله لا يخرُج من النار من دخلها حتى يكون فيها أحقاباً، الحُقُب بضع وثمانون سنة، والسنة ثلثمائة وستون يوماً، كلّ يوم ألفُ سنة مما تَعُدُّون ؛ فلا يتكلنَّ أحدكم على أنه يخرج من النار " ذكره الثعلَبيّ.
القُرظيّ : الأحقاب : ثلاثة وأربعون، حُقُباً كل حُقُب سبعون خَريفاً، كل خريف سبعمائةِ سنة، كل سنة ثلثمائة وستون يوماً، كل يوم ألف سنة.
قلت : هذه أقوال متعارضة، والتحديد في الآية للخلود، يحتاج إلى توقيف يقطَع العُذْر، وليس ذلك بثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وإنما المعنى والله أعلم ما ذكرناه أوّلاً ؛ أي لابثين فيها أزماناً ودهوراً، كلما مضى زمن يعقبه زمن، ودهر يعقبه دهر، هكذا أبد الآبدين من غير انقطاع.
وقال ابن كَيْسان : معنى ﴿ لاَّبِثِينَ فِيهَآ أَحْقَاباً ﴾ لا غاية لها انتهاء، فكأنه قال أبداً.
وقال ابن زيد ومُقاتل : إنها منسوخة بقوله تعالى :﴿ فَذُوقُواْ فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَاباً ﴾ يعني أن العدد قد انقطع، والخلود قد حصل.
قلت : وهذا بعيد ؛ لأنه خبر، وقد قال تعالى :﴿ وَلاَ يَدْخُلُونَ الجنة حتى يَلِجَ الجمل فِي سَمِّ الخياط ﴾ [ الأعراف : ٤٠ ] على ما تقدم.
هذا في حق الكفار، فأما العُصاة الموحدون فصحيح ويكون النسخ بمعنى التخصيص.
والله أعلم.
وقيل : المعنى "لابِثِين فِيها أحقابا" أي في الأرض، إذ قد تقدم ذكرها ويكون الضمير في "لا يذوقون فِيها بردا ولا شراباً" لجهنم.
وقيل : واحد الأحقاب حُقُب وحِقْبَةً ؛ قال :
فإنْ تَنْأَ عنها حِقْبَةً لا تُلاقِهَا...
فَأنتَ بِما أَحْدَثْتَهُ بِالمُجَرَّبِ
وقال الكميت :
مَرّ لها بعد حِقبةٍ حِقَبُ...
قوله تعالى :﴿ لاَّ يَذُوقُونَ فِيهَا ﴾ أي في الأحقاب ﴿ بَرْداً وَلاَ شَرَاباً ﴾ البرد : النوم في قول أبي عبيدة وغيره ؛ قال الشاعر :
ولو شِئتُ حَرَّمتُ النساءَ سِواكُمُ...


الصفحة التالية
Icon