ذلك من الصفات على فعال. ويجوز أيضا أن يكون أراد جمع كذب، لأنه جعله نوعا وصفه بالكذب، أي كذبا كاذبا، ثم جمع فصار كذابا كذابا، فافهم ذلك.
ومن ذلك قراءة ابن فطيب :"عَطَاءً حِسَابًا١".
قال أبو الفتح : طريقة عندي - والله أعلم - عطاء محسبا، أي كافيا. يقال : أعطيته ما أحسبه، أي : كفاه، إلا أنه جاء بالاسم من أفعل على فعال. وقد جاءت منه أحرف، قالوا : أجبر فهو جبار، وأدرك فهو دراك، وأسأر٢ من شرابه فهو سأار، وأقصر عن الشيء فهو قصار، وقد تقدم ذلك.
وأنا أذهب في قولهم : أحسبه، من العطية، أي : كفاه - إلى أنه من قولهم : حسبك كذا، أي : أعطاه حتى قال : حسب، كما أن قولهم : بجلت الرجل، ورجل بجيل وبجال - كأنه من قولهم : بجل، أي : حسب، فكأنه انتهى من الفضل والشرف إلى أنه متى جرى ذكره قيل : بجل، قف حيث أنت، فلا غايةن وراءه. وكذلك عندي أصل تصرف النعمة والنعيم والإنعام وجميع ما في هذا الحرف - إنما هو من قولنا : نعم، وذلك أن "نعم" محبوبة مستلذة، وهي ضد "لا" الكزة٣ المستكرهة.
فإن قيل : فكيف يجوز الاشتقاق من الحروف؟
قيل : قد اشتق منها في غير موضع، قالوا : سألني حاجة، فلا ليت له، أي : قلت له : لا. وسألتك حاجة، فلوليت لي، أي : قلت : لولا. وقالوا : حاحيت، وعاعيت، وهاهيت، - فاشتقوا من حاء وعاء، وهاء، وهن أصوات، والأصوات للحروف أخوات، وما أكثر ذلك!. أ هـ ﴿المحتسب حـ ٢ صـ ٣٤٧ ـ ٣٤٨﴾
٢ أسار من شرابه : أبقى منه.
٣ ساقطة في ك : والكزة : القبيحة.