قال الإمام أبو جعفر بن الزبير : سورة النبأ أما مطلقها فمرتب على تساؤل واستفهام وقع منهم وكأنه وارد هنا في معرض العدول والالتفات، وأما قوله :﴿كلا سيعلمون ثم كلا سيعلمون﴾ [ النبأ : ٤ - ٥ ] فمناسب للوعيد المتكرر في قوله :﴿ويل يومئذ للمكذبين﴾ [ المرسلات : ١٩ ] وكأن قد قيل : سيعلمون عاقبة تكذيبهم، ثم أورد تعالى من جميل صنعه وما إذا اعتبره المعتبر علم أنه لم يخلق شيء منه عبثاً بل يعتبر به ويستوضح وجه الحكمة فيه، فعلم أنه لا بد من وقت ينكشف فيه الغطاء ويجازي الخلائق على نسبة من أحوالهم في الاعتبار والتدبر والخضوع لمن نصب مجموع تلك الدلائل، ويستشعر من تكرار الفصول وتجدد الحالات وإحياء الأرض بعد موتها، جرى ذلك في البعث واطراد الحكم، وإليه الإشارة بقوله :
﴿كذلك نخرج الموتى﴾ [ الأعراف : ٥٧ ] وقال تعالى منبهاً على ما ذكرناه ﴿ألم نجعل الأرض مهاداً﴾ [ النبأ : ٦ ] إلى قوله :﴿وجنات ألفافاً﴾ [ النبأ : ١٦ ] فهذه المصنوعات المقصود بها الاعتبار كما قدم، ثم قال تعالى :﴿إن يوم الفصل كان ميقاتاً﴾ [ النبأ : ١٧ ] أي موعداً لجزائكم لو اعتبرتم بما ذكر لكم لعلمتم منه وقوعه وكونه ليقع جزاؤكم على ما سلف منكم " فويل يومئذ للمكذبين " ويشهد لهذا القصد مما بعد من الآيات قوله تعالى لما ذكر ما أعد للطاغين :﴿إنهم كانوا لا يرجون حساباً وكذبوا بآياتنا كذاباً وكل شيء أحصيناه كتاباً﴾ [ النبأ : ٢٧ - ٢٩ ] ثم قال بعد :﴿إن للمتقين مفازاً حدائق وأعناباً﴾ [ النبأ : ٣١ - ٣٢ ] وقوله بعد :﴿ذلك اليوم الحق﴾ وأما الحياة الدنيا فلعب ولهو وإن الدار الآخرة لهي الحيوان، وقوله بعد :﴿يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر يا ليتني كنت تراباً﴾ [ النبأ : ٤٠ ] انتهى.