ثم إن الشيء العظيم الذي يكون لعظمه وتفاقم مرتبته ويعجز العقل عن أن يحيط بكنهه يبقى مجهولاً، فحصل بين الشيء المطلوب بلفظ ما وبين الشيء العظيم مشابهة من هذا الوجه والمشابهة إحدى أسباب المجاز، فبهذا الطريق جعل ﴿مَا﴾ دليلاً على عظمة حال ذلك المطلوب وعلو رتبته ومنه قوله تعالى ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجّينٌ﴾ [ المطففين : ٨ ]، ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا العقبة﴾ [ البلد : ١٢ ] وتقول زيد وما زيد.
المسألة الخامسة :
التساؤل هو أن يسأل بعضهم بعضاً كالتقابل، وقد يستعمل أيضاً في أن يتحدثوا به، وإن لم يكن من بعضهم لبعض سؤال، قال تعالى :﴿وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ﴾ [ الطور : ٢٥ ] ﴿قَالَ قَائِلٌ مّنْهُمْ إِنّي كَانَ لِي قَرِينٌ * يِقُولُ أَءنَّكَ لَمِنَ المصدقين﴾ [ الصافات : ٥٢ ٥١ ] فهذا يدل على معنى التحدث فيكون معنى الكلام عم يتحدثون، وهذا قول الفراء.
المسألة السادسة :
أولئك الذين كانوا يتساءلون من هم، فيه احتمالات : الاحتمال الأول : أنهم هم الكفار، والدليل عليه قوله تعالى :﴿كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ﴾ [ النبأ : ٥ ٤ ] الضمير في يتساءلون، وهم فيه مختلفون وسيعلمون، راجع إلى شيء واحد وقوله :﴿كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ﴾ تهديد والتهديد لا يليق إلا بالكفار، فثبت أن الضمير في قوله :﴿يَتَسَاءلُونَ﴾ عائد إلى الكفار، فإن قيل فما تصنع بقوله :﴿هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ﴾ مع أن الكفار كانوا متفقين في إنكار الحشر ؟ قلنا لا نسلم أنهم كانوا متفقين في إنكار الحشر، وذلك لأن منهم من كان يثبت المعاد الروحاني، وهم جمهور النصارى، وأما المعاد الجسماني فمنهم من كان شاكاً فيه كقوله :


الصفحة التالية
Icon